ملامح سياسة أميركية جديدة / ماجد كيالي
كل المؤشرات تفيد بأن إدارة ترامب سوف تستعيد كل الركائز التي كانت رسمت الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الثانية.
بشكل سريع وربما غير متوقّع، توجّهت الإدارة الأميركية الجديدة، التي يرأسها دونالد ترامب، نحو إدخال تغييرات على السياسات الأميركية الخارجية التي كان قد انتهجها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بيد أن تلك التغيّرات لم تخرج عن السياسات التقليدية التي انتهجتها الولايات المتحدة، منذ ما بعد الحرب الثانية، ولا سيما في الشرق الأوسط، لذا قد يصحّ القول إننا لسنا إزاء تغييرات، بمعنى الكلمة، بقدر ما نحن إزاء استعادة لسياسات أميركية سابقة.
مثلا، الحديث هنا، يتعلق، أولا، بالحفاظ على “أمن النفط”، وتاليا “أمن الخليج”، وهو ما تمثّل في توجيه إدارة ترامب تحذيرات شديدة لإيران، بخصوص تدخّلاتها في العراق واليمن، ومحاولتها تعزيز ترسانتها من الصواريخ الباليستية، بل إن إدارة ترامب ترجمت تلك التحذيرات إلى إجراءات عملية صارمة ضدّ إيران، تمثلت في فرض عقوبات جديدة عليها، وفي تعزيز قواتها في الخليج، لإفهامها أنه بات ثمة ثمن لسياساتها.
ثانيا، استعادة إسرائيل لمكانتها كذخر استراتيجي في السياسات الأميركية، إذ تحاول إدارة ترامب التملص من عملية السلام، التي تمت رعايتها منذ ربع قرن، ولا سيما في ظل الإدارات الأميركية السابقة. وقد جرت ترجمة ذلك في اعتزام الإدارة الجديدة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واللامبالاة إزاء الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية، وربّما يجدر أن ننتظر الزيارة المقبلة لبنيامين نتانياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلى واشنطن (15 فبراير) لمعرفة طبيعة العلاقات والسياسات التي ستربط الجانبين.
ثالثا، الحفاظ على استقرار الأنظمة “الصديقة” في المنطقة، وهذا ما يبدو أن إدارة ترامب ستعتمده في السنوات القادمة، وهو ما تجلى بداية في إعلانها الحرب على داعش والمنظمات الإرهابية المتطرفة، كما في إعلانها عن سعيها لتحجيم النفوذ الإيراني، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا. رابعا، عدم السماح لقوة أخرى بمنافستها في الهيمنة على المنطقة، وعدم ترك روسيا تستفرد بهذه المنطقة، وهذا الجانب من السياسة الترامبية غير معروف بعد، ولا يمكن التكهن بكيفية تجلياته أو كيفية تصرّف الإدارة الأميركية بشأنه.
المهم أن كلّ المؤشرات تفيد بأن إدارة ترامب سوف تستعيد كل الركائز التي كانت رسمت الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الثانية إلى مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي. ومعلوم أن هذه المرحلة أسّست للعولمة، في كل المجالات، ولا سيما الاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية، التي عكست نفسها على سياسات الدول، وبعثت طمأنينة في الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة، باعتبار أن بلدها أضحى بمثابة قطب أوحد، باعتباره البلد الذي يملك الأسهم الأكبر في العولمة، ماليا واقتصادياً وتكنولوجيا وعلميا، فضلا عن قوته العسكرية، وأنه من خلال ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها بالقوة الناعمة بدلا من القوة الخشنة المكلفة. وبديهي أننا هنا نستثني فترة بوش الابن، التي تم خلالها غزو العراق، وبحكم سيطرة تيار المحافظين الجدد، على خيارات تلك الإدارة.
هكذا يتضح أن إدارة ترامب، بسياسييها وعسكرييها وأصحاب الشركات فيها، جاءت وهي تحمل قلقا في ثلاثة مجالات، الأول، ناشئ عن شكّها بجدوى السياسات السابقة، التي انتهجت خاصة في إداراتي بيل كلينتون وباراك أوباما، المتعلقة بانتهاج القوة الناعمة، وأن هذه السياسات خلقت انطباعا خاطئا في العالم يفيد بضعف الولايات المتحدة، ما بات يؤثر على مكانتها، وقدرتها على إنفاذ سياساتها الاقتصادية والأمنية.
القلق الثاني يتعلق بالبعد الهوياتي الناجم عن العولمة، ومن ضمنه اتساع موجات الهجرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، واعتبار أن ردّة الفعل على ذلك ينبغي أن تكون بإيجاد أسوار وتضييق منافذ الهجرة، فيما اعتبر بمثابة عودة إلى “القومية” أو الانعزالية، مع الترويج لنوع من فوبيا الإسلام. في حين ينبثق القلق الثالث من نقل الصناعة، ولا سيما كثافة الأيدي العاملة، التي أفادت الدول الأخرى، خاصة الصين، وأثرت سلبا على قطاع واسع من العمال الأميركيين حيث نقلت شركاتهم أعمالها إلى دول أخرى، ما أضرّ بالولايات المتحدة في وجود قطاعات عمالة لا عمل لها، وفي تهرب الشركات من الضرائب، وفي وجود دول صاعدة منافسة.
كاتب سياسي فلسطيني
ماجد كيالي