ترامب والغاضبون عليه
بقلم: إبراهيم الزبيدي
حركة الاحتجاج على قرارات ترامب بمنع مواطني دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة فيها الكثير من النفاق.
إن من المفهوم، والمتوقع، والمُبرَّر أيضا، أن يتحامل على الرئيس الجديد المثير للجدل دونالد ترامب، وأن يكره رئاسته لأميركا، وأن يجند حلاله وحرامه لتشويه سمعته، والتبشير بقرب نهايته، سقوطا أو اغتيالا، أعضاءُ الحزب الديمقراطي الأميركي، وكلُ من يتحالف معه، أو يناصره، ظالما أو مظلوما، من صحفٍ ومحطات تلفزيون، وسياسيين، ورجال أعمال، أو أيُ مستفيد آخر من سلطة النُخب السياسية التي ظلت مهيمنة على السلطة التي يُنادي ترامب بزوالها، أو بإحالتها على التقاعد.
وفيما يتعلق بالعرب والمسلمين مفهومٌ جدا أن يعادي ترامب مسؤولون، ورؤساء كتل وأحزاب، وقادة مليشيات، ومرتزقون كتبَ الله لهم أن يكون “رزقهم” من حكوماتٍ وأحزاب ومليشيات أزعجها كثيرا، وأخافها كثيرا، إعلان ترامب عن عدائها لإسلامها المتطرف العدواني، وعزمه على حربها، والقضاء على إرهابها، حتى لو غضبت الدنيا كلها عليه.
فقد اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن قرار الرئيس الأميركي يعد “إهانة صارخة” للعالم الإسلامي.
وقالت وزارة الخارجية، في بيان: “في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع الدولي إلى الحوار وتضافر الجهود لمواجهة العنف والتطرف بصورة جذرية وشاملة يأتي هذا الإجراء غير المسؤول من قبل الحكومة الأميركية ليثير التمييز بحق مواطني الدول الإسلامية، ويعمق الثغرات التي يستغلها المتطرفون، لتجنيد الشباب المهمشين لصالحهم، مما يعزز حالة العنف والتطرف في العالم”.
وبغض النظر عن صواب أو عدم صواب قرار ترامب الخاص بوقف دخول مواطني دول عربية معينة، بالإضافة إلى إيران، واستثناء “مسلمي” أفغانسان وباكستان وإندونيسيا وماليزيا والأرجنتين وجيبوتي وتونس والجزائر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وعمان والأردن وفلسطين وتركيا والمغرب وموريتانيا ونايجيريا وجيبوتي وغيرها، فإن مما لا شك فيه أن عددا من الأبرياء تضرروا بالقرار.
ولكن ألم يتضرر كثيرون من أمثالهم على حدود دول عربية وإسلامية، وفي مطاراتها، أكثر مما تضرروا على حدود دول أجنبية تتخوف من القادمين من بلادٍ يكثر فيها القتل والحرق والاغتيال، ويخرج منها متطوعون للـ “الجهاد” في صفوف داعش، أو مليشيات أخرى لا تقل عن داعش عنفا وتوحشا وغدرا وتخلفا ومفخخات؟
والغريب العجيب أن يهب للتظاهر، بغضب شديد، وأن يُكثر من البيانات الإحتجاجية ضد قرار ترامب أناسٌ لم يُسمع لهم صوت على الفضائيات العربية والإسلامية، من سنوات، دفاعا عن حقوق المسافرين والمهاجرين العرب والمسلمين، وهم يُساقون كالأغنام، أو يُحجر عليهم في مطارات عربية وإسلامية شقيقة، وعلى حدود دول الغرب والشرق كلها، مثل المصابين بطاعون.
فكم تظاهرة قام بها الحرس الثوري الإيراني والإخوان المسلمون ودعاة اليسار العربي ومنظرو جبهة الصمود والتصدي ومقاومة الامبرلايالية والصهيونية حزنا على غرق المئات من النساء والأطفال والشيوخ والشباب، واحتجاجا على خيانة دول عربية وإسلامية “مجاهدة” و”ظلم” حكومات غربية عديدة ترى في المهجرين المستجيرين بها خطرا على أمنها واستقرارها؟
ألم يكن الأحرى بالمتظاهرين ضد قرار ترامب “اللا إنساني” المعادي للعالم الإسلامي أن يفتحوا حدودهم وصدورهم وقلوبهم وجيبوبهم لهؤلاء الذين منع ترامب دخولهم إلى بلاده “الكافرة”.
ومع أن قرار ترامب موقوت بفترة زمنية محددة، وقد يتراجع عنه، أو عن بعضه، وقد يحكم القضاء الأميركي ببطلانه، أو ببطلان بعض حيثياته، فإن أشرارنا وسفهاءنا والمارقين من “أبناء” جلدتنا هم الجُناة الحقيقيون على أهلنا المتضررين بقرار ترامب، وبقرارات دول أوروبية أخرى عديدة، بدعوتهم، علنا وعلى رؤوس الأشهاد، إلى قتال حكومات “المغضوب عليهم” و”الضالين”، وسبي شعوبها، أجمعين.
هل دخل أحدكم جامعا أو مركزا إسلاميا في أميركا، أو في دول أوروبية احترمت حريتنا في العقيدة والرأي، وسمحت لنا بممارسة طقوس عبادتنا بحرية وأمن وكرامة، واستمع إلى خطاب أهل اللحى المدهونة بالحناء، وهم يُحلون قتلَ الذين أكرموهم واستضافوهم، حتى وهم يأكلون من زادهم، ويشربون من مائهم، ويتنشقون بهوائهم، ويحتالون على قوانينهم؟
وماذا سيحدث لو أمر ترامب بغلق تلك المساجد والمراكز الإسلامية، وأمر بترحيل خطبائها وأئمتها إلى أوطانهم التي جاؤوا منها، هل سيكون ذلك حربا على الإسلام والمسلمين؟ وإن كانت قراراته وسياساته ونواياه ظالمة، وعدائية، ولا إنسانية، ولا تناسبكم، ولا ترضي كراماتكم، فلماذا تدعون مواطنيكم يهربون من جِنانكم… إليه؟
إبراهيم الزبيدي