مع التطمينات الحكومية.. استمرار التلوث في سماء العاصمة بغداد ؟
عراقيون / متابعة
بين سماء ملبدة بالغازات السامة وهواء يختنق بالملوثات، يعيش أهالي العاصمة بغداد يومهم وسط أجواء مشبعة بالسموم وروائح الكبريت الخانقة، ورغم تفاقم هذه الأزمة منذ فترة وتحذيرات الخبراء من عواقب وخيمة، إلا أن الحكومة العراقية ومؤسساتها تكتفي بـ”تطمينات لا تُلامس الواقع”، بحسب مختصين.
وعادت موجة تلوث الهواء الممزوجة برائحة الكبريت الكريهة إلى سماء العاصمة بغداد، لتعاود السيطرة على الأجواء للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، مما يشير إلى تزايد حدة هذه المشكلة البيئية.
وقبل أيام قليلة، أعلنت وزارة البيئة، انخفاض نسبة التلوث في الهواء، مؤكدة أن “ذلك جاء وفقاً لتوجيهات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”، فيما أشارت أيضاً إلى أن “نسب تلوث الهواء الحالية تُعد متوسطة ونوعية الهواء جيدة إلى حد ما ولا تشكل خطراً كبيراً”.
“نحن نموت بصمت.. والحكومة عاجزة”
“الوضع أصبح لا يُحتمل، الرائحة خانقة ونشعر بصعوبة في التنفس، خصوصاً مع استمرار رائحة الكبريت يومياً في العاصمة بغداد، لذلك نطالب الجهات المسؤولة بالتدخل الفوري لمعرفة أسباب هذه الروائح ومعالجتها حفاظاً على صحتنا”، هذا ما قاله “أبو أحمد” الذي يعاني من مرض الربو ويسكن في منطقة حي الجهاد غربي العاصمة بغداد.
ويضيف أبو أحمد، لعراقون“، أن “رائحة الكبريت أصبحت جزءاً من يوم المواطن البغدادي، ولا أحد يكشف السبب وراء هذا الموضوع”، مبيناً أن “التلوث تجاوز كل الحدود، والمواطن العراقي يدفع ثمن هذه الروائح التي تؤثر على الصحة بشكل مباشر، ولا بد من محاسبة المتسببين”.
ووفقاً للمراقبين المتخصصين في مجال الصحة، فإن استنشاق ثاني أوكسيد الكبريت بشكل مستمر يزيد من خطر التعرّض لمشاكل صحيّة كـ”السكتة الدماغية، أمراض القلب، الربو، سرطان الرّئة، والوفاة المبكّرة”، في حين يؤدي استنشاق الأوكسيد إلى صعوبة في التنفس وخاصةً للذين يعانون من حالات مزمنة خاصة بالتنفس.
فيما يقول “أبو مريم”، وهو الذي يسكن في منطقة الدورة، جنوبي العاصمة بغداد، إن “سكان منطقة الدورة يعانون بشكل مستمر من تلوث الهواء الذي تسبب به مصفى الدورة ومحطة توليد الكهرباء، حيث تنبعث منها كميات كبيرة من الغازات السامة وهذه الانبعاثات ليست مشكلة مؤقتة، بل هي أزمة مستمرة منذ سنوات طويلة، وتفاقمت بشكل واضح في الفترة الأخيرة”.
ووفقاً لـ”أبو مريم”، فإن “الروائح الكريهة والدخان الكثيف يغطيان المنطقة بشكل دائم، مما يجعل التنفس صعباً ويؤدي إلى ارتفاع حالات الأمراض التنفسية والجلدية والحساسية بين المواطنين، ورغم المناشدات المتكررة للجهات الحكومية والمعنية، إلا أننا لم نشهد أي تحرك جاد لمعالجة هذا الوضع الكارثي”.
ويختم “أبو مريم” حديثه قائلاً إن “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه المواطنين الذين يعانون ويموتون بصمت، قبل أن تتفاقم الأمور أكثر، وتصبح المنطقة غير صالحة للعيش تماماً”.
ومع الشرارة الأولى لأزمة رائحة الكبريت، خرجت وزارة البيئة في (12 تشرين الأول 2024)، بالقول إن ظاهرة انتشار رائحة الكبريت في العاصمة بغداد خلال الليل والفجر، قد تكون ناتجة عن تغيرات في جودة الهواء المحيط بسبب الاحتراق غير التام للوقود عالي المحتوى الكبريتي لعدد من الأنشطة وحرق النفايات في المطامر غير النظامية، فيما أكدت أنها تقوم بدراسة وتحليل هذه البيانات لتحديد مصدر الروائح والغازات، إلا أنها لم تعلن الأسباب لغاية الآن رغم مرور نحو شهرين على الحديث الرسمي.
أمانة بغداد هي الأخرى دخلت خط الأزمة في وقتها وأعلنت في بيان رسمي قبل شهرين، أنها تقوم بمعالجة الحرائق حال حدوثها، وتلاحق أي عمليات حرق النفايات يقوم بها المواطنون لمخالفة ذلك للأنظمة البيئية المعتمدة، مؤكدة أن “معامل الإسفلت التابعة لها تقع خارج حدود مركز العاصمة وأنها تخضع للرقابة وتعمل وفق المواصفات الفنية المعتمدة”.
أسباب انتشار رائحة الكبريت في بغداد
المتنبئ الجوّي صادق عطيّة، كان قد تحدث في وقت سابق عن زيادة في كميات ثاني أوكسيد الكبريت في أجواء بغداد بنسبة 60 ملغم/ متر، الأمر الذي تسبب بانتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت، فيما أوضح أن حرق الوقود الأحفوري يعتبر المصدر الأوّل لثاني أوكسيد الكبريت، إذ يصل التّلوّث النّاجم عنه إلى مستويات خطرة بالقرب من المحطّات التي تعمل على الفحم ومن مصافي النّفط وفي المناطق ذات الطابع الصناعي.
ووجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، (السبت 12 تشرين الأول 2024)، بتشكيل لجنة لدراسة حالة التلوث وتكرار انبعاث رائحة الكبريت المنتشرة في بغداد والمحافظات المجاورة لها، كما وجه السوداني بحسب البيانات الحكومية بإغلاق معامل الطابوق غير المجازة ومنع حرق النفايات.
واستمرار استنشاق هذه الملوثات من قبل أهالي بغداد، والكلام للحسن، فإنهم “معرضون بشكل حقيقي لأمراض السرطان على المستقبل القريب”، فيما أشار إلى أن “قلة المساحات الخضراء زاد من سوء الهواء في العاصمة”.
شركة IQAir السويسرية المتخصصة بمراقبة جودة الهواء العالمية، كشفت خلال الفترة القليلة الماضية، عن تصدر العاصمة العراقية بغداد قائمة المدن الأكثر تلوثاً في العالم، مؤكدة أن “مستويات التلوث في بغداد تجاوزت مدن مثل لاهور في باكستان، القاهرة في مصر، ودلهي في الهند”.
وبحسب مسح عالمي لنفس الشركة أجري العام الماضي، فقد حل العراق بالمرتبة الثانية كأكثر دول العالم تلوثاً حيث تدهورت جودة الهواء إلى 80.1 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما في العام 2021.
ويشير المسح الذي صدر في العام 2023، إلى حلول العاصمة بغداد بالمرتبة 13 بين أكثر المدن تلوثا في العالم حيث تدهورت جودة الهواء إلى 86.7 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما، كما سجلت مدينة أربيل نسبة تلوث بـ34 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب، ما يدل على الهواء في بغداد يزداد سوءاً عاماً بعد آخر.
الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول
وإلى ذلك، تقول إقبال لطيف، وهي خبيرة في مجال البيئة إن “الحكومة العراقية غير قادرة على فرض سيطرتها على تلوث الهواء في بغداد، خصوصاً وأن السحابة الكبريتية مستمرة بزيارة العاصمة من الليل حتى فجر اليوم التالي”، مبينة أن “الهواء في بغداد يحتوي على نسب كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون وأول أوكسد النتيروجين”.
وفي حديث لـ”عراقيون”، تضيف إقبال، أنّ “الحكومة العراقية إلى الآن لم تكشف السبب الحقيقي لرائحة الكبريت، وإجراءات معالجتها بطيئة مقارنة بحجم الكارثة البيئية والخطيرة”، موضحة أن “المولدات الأهلية الموجودة في المناطق السكنية تعتبر أحد أبرز مسببات تلوث الهواء في العاصمة”.
وبحسب إقبال، فإن كثرة الزحامات المرورية تعتبر أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تلوث الهواء في مدينة بالعالم، خصوصاً وأن بغداد تمتاز بهذه الظاهر، الأمر الذي يولد بشكل يومي غيمة ملوثة تتصاعد إلى سماء العاصمة.
وتعتقد إقبال أن “وجود مساحات خضراء من عدمها لا يحل مشكلة تلوث الهواء في بغداد، كون حجم الكارثة البيئة أكبر بكبير من قضية الأشجار والمزروعات الخضراء”.
وبحسب تقرير نشرته شبكة “ذا نيو اراب” العربية (13 تشرين الأول 2024)، فإن الآثار السلبية لانتشار رائحة الكبريت الشديدة مؤخراً في العاصمة بغداد ستؤدي إلى خلل صحي كبير في البلاد، محذرة من استمرار هذه الظاهرة البيئية السلبية.