دفاعا عن ترامب نموذج الرئيس الأمريكي هيفاء زنكنة
لا ادري ما سيكون عليه طول البرامج التلفزيونية والمقالات والدراسات، بالكيلومترات، التي تم بثها وكتابتها منذ أن أعلن دونالد ترامب ترشيحه لرئاسة أمريكا وحتى فوزه. لكنني أعرف بأنه سيتجاوز المئات. حيث كُرست مئات البرامج التلفزيونية، في جميع أنحاء العالم، وكُتبت المقالة اثر المقالة، لمناقشة وتحليل ما سيبتكره الرئيس الأمريكي الجديد من تحالفات وما سيؤدي إليه من نزاعات. ولم يتخلف العالم العربي والإسلامي عن اللحاق بالركب، إعلاميا، خاصة، وان تصريحات ترامب جعلت من المسلمين، ناهيك عن العرب، الطبقة الدُنيا التي تستحق العزل.
السؤال الذي خطر على بالي وأنا أراقب كيلومترات البرامج التلفزيونية والتحليلات المطبوعة، هو عن مدى صحة المخاوف العربية والإسلامية، وبالتحديد، جانب السياسة الخارجية التي هي جوهر العلاقة بين الدول. هل سيكون هناك اختلاف حقيقي في سياسة الولايات المتحدة الخارجية؟ تغير الموقف المؤيد للكيان الصهيوني مهما ارتكب من جرائم؟ مطالبة السعودية بدفع أجرة حمايتها (كأنها لا تدفع حاليا بشكل صفقات أسلحة واستثمارات)؟ ما الذي سيفعله الرئيس الجديد، خلافا للرؤساء السابقين، من ناحية العمل، دائما، على ان تكون مصلحة أمريكا هي الأولى والأخيرة، سواء كان الرئيس ديمقراطيا أم جمهوريا، أسود كان أو ابيض؟
تُرى مَن مِن الرؤساء من قبله صرح قائلا بان أمريكا ثانيا أو إن أمريكا منظمة خيرية لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ثم انه رئيس منتخب. ولمن يشكك بصحة الانتخاب وان الشعب الأمريكي « أسمى» من أن ينتخب رجل أعمال فاسد، ومتحرش بالنساء، ومعاد للأقليات والمسلمين، ألم يقم الشعب الأمريكي بإعادة انتخاب الرئيس جورج بوش وهو في أوج ارتكاب
المجازر في العراق وأفغانستان حسب السياسة الخارجية « من ليس معنا هو ضدنا»؟ ألم يمارس الرئيس السابق بيل كلينتون الجنس مع المتدربة لوينسكي في البيت الأبيض وكَذبت زوجته، بلا حياء، ضد «المرأة» ليعاد ترشيحها باعتبارها المدافعة عن حقوق النساء، بينما أصبح ترامب عدو المرأة رقم واحد؟
من بين شروره، يدعو ترامب إلى إقامة جدار عازل على طول الحدود بين بلاده وجارتها الجنوبية المكسيك، مطالبا، كما فعل مع السعودية من ناحية حمايتها، بأن تدفع المكسيك كلفة بنائه. ولا ادري من الذي يقلد من في بناء جدران العزل، الدول العربية وإسرائيل وتركيا أم أمريكا ومن هو الذي يحتل المكانة الأولى في إحياء حصون القرون الوسطى؟
أشهر الجدران وأكثرها لا إنسانية هو جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال الصهيوني، بفلسطين، وطوله 708 كيلومترات، في عهود الرؤساء السابقين وسيستمر بترامب أو غيره. هناك، أيضا، الجدار الحدودي الفاصل بين إسرائيل والحدود المصرية، ويبلغ طوله 245 كيلومترا، والجدار القائم في هضبة الجولان المحتلة. وشرعت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في الشهر الماضي، ببناء رابع جدار بينها والأردن بحجة « حماية المواطنين الإسرائيليين من أي تهديد أمني آت من الأردن»، على الرغم من توقيع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1994.
على المستوى الإقليمي، أنهت تركيا بناء أجزاء كبيرة من الجدار الفاصل على حدودها الجنوبية مع سوريا بحجة « التدابير الأمنية». أما عربيا، ف» بلاد العُرب أوطاني» تمزقها الجدران والخنادق. فمخطط الجدار السعودي مع العراق طوله 980 كيلومترا. وفي آب/أغسطس 2016 بدأت الجزائر في بناء جدار ترابي عازل على حدودها مع ليبيا وتونس، يمتد لمسافة 350 كيلومترا لـ»أسباب أمنية». كما شرعت الجزائر في بناء جدار آخر على حدودها الغربية مع المغرب، وأقامت تونس جدارا على حدودها مع ليبيا لـ»وقف تسلّل الإرهابيين». وتميزت الحكومة المصرية بإقامة الجدار الفولاذي على طول حدود مصر مع قطاع غزة المحاصر لإتمام حلقة الحصار الإسرائيلية. وإذا كانت الجدران العازلة بين الدول العربية غير كافية، شرعت الحكومات بتبني سياسة تمزيق البلدان من الداخل. من بينها الحديث عن بناء السلطات اللبنانية سور حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، قرب مدينة صيدا جنوب لبنان، يهدف إلى منع تسلل « الإرهابيين» إلى داخل المخيم أو الخروج منه.
وفي ظل الرئيسين بوش وأوباما، تم تقسيم مدينة بغداد إلى 50 منطقة مقسمة بجدران طائفية «لمنع الإرهاب». وبينما ينشغل العالم بنية الرئيس ترامب ببناء الجدار العازل مع المكسيك، أعلنت مليشيا الحشد الشعبي، الأسبوع الماضي، عن المباشرة بحفر خندق حول محافظة النجف، جنوب بغداد، بذريعة حماية المحافظة من أي تسلل «إرهابي».
وقالت هيئة الحشد في بيان نشر على موقعها الرسمي أن «عملية الحفر تمت (بواسطة) تشكيلات فرقة الإمام علي (ع) القتالية وبالتنسيق العالي مع مديرية الهندسة العسكرية في هيئة الحشد الشعبي». مما يدفعنا إلى تساؤل ساذج: لماذا لا يحق لرئيس أقوى دولة في العالم أن يبني جدارا عازلا إذا كانت ميليشيا مسلحة مكونة من حفنة أفراد، خارج نطاق الحكومة «الديمقراطية» تقوم بذلك؟
الواقع هو أن كل الجدران والخنادق والمستوطنات بُنيت إما بمباركة الرؤساء الأمريكيين، على فترات حكمهم المختلفة، أو بدون أن تصدر منهم نأمة احتجاج.
وإذا كان هناك مجال لإضافة بضعة سنتيمترات إلى كيلومترات التغطية الإعلامية عن الرئيس الأمريكي الجديد فأود استغلاله لاقتبس كلمات القائد العسكري جيمس ماتيس المشهور بلقب «الكلب المسعور»، والذي رشحه ترامب ليكون وزيرا للدفاع، وهو ينصح القوات المتوجهة لاحتلال العراق عام 2003، حول كيفية التصرف هناك، قائلا «عليك أن تكون مهذبا، تكون مهنيا، ولكن عليك أن تخطط لقتل كل من تلتقي بهم».
لم أجد أفضل ما يمثل السياسة الأمريكية الخارجية من نصيحة «الكلب المسعور» لأنها، كما هي خطب ترامب، الأكثر وضوحا وصراحة وعنجهية. أن استمرارية «مصلحة أمريكا أولا» هي العامل الثابت في المعادلة مهما كان لون القناع.