استراتيجية اعادة تأهيل المنظومة المجتمعية والتربوية في محافظة نينوى بقلم: ناهض الرمضاني
لا شك ان الظروف العصيبة الشاذة التي مرت بها منطقتنا كان لها مسببات انتجت هذه الظروف. وسيترتب عليها نتائج تعقبها. ان وقوع المحافظات السنية تحت قبضة تنظيم داعش بالطريقة التي حدثت، قد ولدت صدمة كبيرة لدى المواطنين ادت الى فقدان الثقة الكامل بالدولة ومؤسساتها التي عجزت في لحظة تاريخية عن حماية محافظات كاملة وتركتها فريسة لقوى ظلامية مجرمة.
لذا نرى من الضروري وضع تصورات وافكار تحاول تضميد جراح المجتمع. وتعيد له بعض الثقة بقدرته على البقاء والخروج من هذه المحنة بأقل الاضرار. واستعادة ثقته بالدولة ومؤسساتها المدنية. كونها الجهة الاولى المسؤولة عن امن المواطن وحياته ورفاهه.
هذه الورقة تحتوي على افكار وضعت اصلا لمعالجة الوضع المأساوي الراهن للمحافظات المنكوبة بالاحتلال الداعشي. لكنها تصلح كإطار عام لبقية المحافظات العراقية. اذ انها ترسم خارطة طريق لخلق دولة مدنية حديثة بأقصر وقت واقل تكلفة.
وستنقسم الافكار المقترحة الى محورين رئيسيين. الاول هو آلية لتطوير محور التربية والتعليم، والتعليم العالي. وهو محور يستهدف شريحة الاطفال والاحداث والشباب.
أما المحور الثاني فهو آلية لتنمية المجتمع ككل ليشمل الشريحة الاولى ” الاطفال ” مضافا اليها جميع الشرائح والاعمار الاخرى ولكلا الجنسين.
اولا: محور التربية والتعليم والدراسة الجامعية.
بالنظر الى طبيعة الظرف الشاذ الذي مرت به منطقتنا. ولكون ثلث سكان المنطقة تقريبا في سن الدراسة او ما دونها وقد انقطعوا لأكثر من عامين عن اي شكل من اشكال الدراسة والتعليم المدني؛ لذا اقتضت الضرورة القيام بإجراءات حتمية لتكييف النظام التربوي في المدينة كي يتناسب مع الحاجات الحقيقية للمتعلم وللمجتمع. وليكون لهذا النظام التربوي الدور الاكبر في اعادة تأهيل السكان.
إن فلسفة واهداف التعليم في العراق الان مازالت تسير على خطى المنهج الذي وضعه البريطانيون اثناء الاحتلال الانكليزي. ورغم ان المنهج قد تم ترقيعه مرارا الا ان فلسفته لم تتغير . وكانت قد اعدت اصلا لتخريج موظفين قادرين على تسيير الادارة المحلية في العراق الذي تقوده بريطانيا.
اي ان مناهجنا لا تهدف الى تعليم وانتاج قادة مجتمعيين قدر اهتمامها بتأهيل موظفين يجيدون تصريف الاعمال فحسب. متبعين التعليمات التي تصدر إليهم من الاعلى. وشيئا فشيئا اصاب الانكماش هذه الطريقة العرجاء. وتحولت وظيفة المدرسة من مكان يؤهل المتعلم لمواجهة الحياة الى مكان يكون هدف المتعلم الوحيد فيه هو الحصول على علامات عالية لدخول الجامعة . ونتج عن هذه الظاهرة ظواهر اخرى شاذة معروفة كالتدريس الخصوصي والغش الجماعي وكافة اشكال التلاعب الاخرى.
وأصبح مستقبل الطالب معلقا بأعشار الدرجات التي قد تغير مسار حياته من وجهة الى اخرى؛ ولأسباب قد تكون في منتهى التفاهة. كما وان الشخصية الهزيلة التي تنتجها مدارسنا قد جعلت اقصى طموح شبابنا هو الحصول على وظيفة حكومية وتقاضي راتب ثابت، مما يحرم الشاب والمجتمع فرصة الابداع والابتكار والمجازفة في ممارسة اعمال ومشاريع حرة. وهكذا خسر العراق مكانته العلمية السابقة وخرجت منظومته التربوية من اي تصنيف دولي. دون ان تتمكن وزارة التربية من تشخيص الخلل؛ فضلا عن ايجاد حلول له. وجل ما تفعله هو اعادة ترقيع ثوب مهترئ لم يعد يناسبنا اصلا.
وينبغي الان اعادة النظر جذريا في هذه الفلسفة التي تقضي على روح المبادرة والابداع. وتحد من افق الطموح. واعتناق فلسفة تربوية جديدة تهدف الى بناء شخصية المتعلم. وهكذا فينبغي على المدرسة “ان تتحول من مكان لتلقين بعض المعلومات لبعض الطلاب بغية الحصول على الدرجات فحسب. الى مكان يؤهل كل طفل لخوض تجربة الحياة بأكملها “.
بالإضافة الى توفير بيئة تمكن الطفل من الاستمتاع بطفولته. ويمكننا الاحتذاء بالفكر التربوي الــ(فللندي) الذي يحتل المرتبة الاولى بين الانظمة التربوية في العالم منذ سنوات رغم بساطته. او ربما بسبب بساطته وعمقه. اذ يتم التركيز على ما حول المدرسة ” بيئة المتعلم ” والتعريف الحقيقي المباشر بها. والتركيز على خلق العلاقات الايجابية والصداقات بين المتعلمين. وذلك من خلال انشطة ترفيهية وتعليمية متنوعة داخل وخارج المدرسة. والتقليل من الدروس النظرية وزيادة الانشطة التربوية داخل وخارج المدرسة. مع الحرص الكامل على ان توفر المدرسة المتعة والسعادة للتلميذ. كي تكون مكانا جاذبا له. فاذا تحقق هذا الشرط سهلت العملية التربوية والتعليمية لأنها تتم دون اي اكراه
ويجب العناية الكاملة بالمدارس الواقعة في الريف ..ولابد ان تصل المدارس وفرص التعليم الى ابعد طفل في المحافظة . اذ ان كل طفل يولد يستحق فرصة متساوية مع اقرانه في التعليم. وإذا كان البعض يرى ان مشكلتنا تبدأ من الريف فان الحل لا بد ان يبدا من هناك حتما.