ريان توفيق يكتب| التدين الميكانيكي
عراقيون| مقالات رأي
لاشك أن الدين يشكل مكونا انطولوجيا بالنسبة لنا معاشر المسلمين، وللدين تمظهرات على مستوى المفهوم والماصدق، وهذا التمظهر يمثل تدين المجتمع، فالتدين ما هو إلا قراءة من قراءآت متعددة للدين، فثمة قراءة للدين تحلق في آفاق الرحمة التي تتدفق من الدين، لتظلل الخلائق بأنس هذه الرحمة وآثارها، وأخرى تجوب في سماء الرقي الروحي والتصفية؛ لتتخلص من رعونات النفس، فيقبل الإنسان على أخيه الإنسان فيكلؤه بالعطف والحنان والرعاية، وثالثة تنحاز للإنسان لأنه محط تكريم الخالق، فتسعد إذا ما سعت في حوائجه وذللت له الكثير من صعوبات الحياة، ورابعة تحفر في أعماق النصوص لتستخرج معانيها وحكمها؛ لتقدم تدينا يغذي الروح والعقل، ويفهم النصوص في بعدها المقاصدي.وثمة قراءة ميكانيكية للدين، وهي القراءة التي تقصر فهمها للدين على المعنى الذي تضخه حزمة الألفاظ والتراكيب، دون الوقوف على مراميها وغاياتها القيمية والحياتية، ولهذا صرنا نرى تدينا طقوسيا، يتعاطى مع العبادات مثلا تعاطيا كميا، ومع سواها تعاطيا شكليا، بيد أنه ليس لهذه العبادات انعكاس على المستوى السلوكي، وليس لغيرها انعكاس على المستوى الاجتماعي السلوكي، والسبب هو القراءة الظاهرية للدين التي تم ضخها عبر عقود من الزمن، وسخرت لها جهود وإمكانيات كبيرة. التدين الميكانيكي يجرد الحياة من معناها، ويجرف الجانب الأخلاقي والقيمي من تمظهرات الدين، ويحجر على العقل ليجوب في آفاق المعاني المكتنزة في نصوص الدين، الذي تعطي للحياة معنى وللإنسان قيمة.
ولهذا صرنا نرى تدينا طقوسيا يجوب مواقع التواصل، “أنشر هذا المقطع ولك كذا عددا من الحسنات” و “تلفظ بهذه الكلمات ولك كذا من الأجر والثواب” فضلا عن مقاطع الفيدو لبعض الشخصيات، الذين يسوقون أحادية الرأي، وإلغاء الآخر، بل وتبديعه وتفسيقه ؛ لأنه يخالف مشربه وتدينه، ولا يعرفون إلا لغة الترهيب، وبذلك ساهم هذا التدين في التعتيم أو المشاغبة على المشهد المشرق للدين، مشهد الرحمة، ومشهد المغفرة، ومشهد الإنسانية، التي تحفل بها نصوص الدين على مساحة الخطاب القرآني والنبوي. لابد من وقفة جادة إزاء هذا التدين الميكانيكي ونقده، وهذه الوقفة تكون بتقديم القراءات الأخرى للدين، لقد آن الأوان أن ندرك أن المخلص لنا من تداعيات الحياة وهمومها، والإشكاليات الفكرية التي تؤرق قطاعات مجتمعية واسعة، هو القراءة المقاصدية على مستوى الأحكام، والقراءة القيمية على مستوى العلاقات الاجتماعية، والقراءة الروحية على المستوى الميتافيزقي.