الحرب العراقية السعودية أسعد البصري
الصراع بين المالكي والسعودية هو حول هوية العراق. فالعراق عربي معاد لإيران، وهذه هي النظرة التي رسخها البعث وصدام حسين. المالكي يرفض هذه المسلمة ويقترح إعادة تعريف العراق على أنه شيعي معاد للوهابية.
تدمّرت كل القرى السنية تقريبا من الحدود السورية إلى إيران. حتى أن أفضل قرية نصفها مأهول والباقي مخرب، لا ماء ولا كهرباء ولا مدارس، والرمادي 80 بالمئة دمار، والفلوجة مسجونة سجنا انفراديا حديديا. ومنطقة حزام بغداد وديالى تهجير وإعدامات وتعذيب. حوالي 4 ملايين سني عراقي نزحوا من ديارهم سواء داخل العراق أو خارجه.
لم يبق سوى سامراء والموصل. الموصل يجري هدمها وسامراء تحرسها المراقد وعبقرية أهلها السياسية، فقد تعايشوا مع الحكومة والميليشيات وداعش، كما يتعايش الإنسان مع مجانين، وقاموا بدفع الخراب عن مدينتهم. السنّة الذين هم أغلبية المسلمين وحكموا هذه الديار لـ1400 سنة تحولوا إلى متسولين خاضعين. الإصلاحات الاقتصادية بعد تحرير العراق يمكن لها أن تخفف من تطوّع الشباب السني مع الإرهابيين ولكن لا يوجد وقت والجراح عميقة.
التقرير الأخير في واشنطن بوست يقول إن آخر إحصائيات المخابرات المركزية الأميركية عام 2014 تشير إلى أنه لم يبق في العراق من السنّة سوى 20 بالمئة فهم يقدرون بـ7 ملايين نسمة متبق من سكان العراق البالغ عددهم 32.5 مليون نسمة حاليا، ويذكر تقرير للأمم المتحدة بأن 6 ملايين من هؤلاء إما نزحوا من بيوتهم وإما يعيشون في مناطق احتلها داعش، ورغم نزوح 75 ألف مواطن منذ بدء عمليات الموصل، إلا أن التقديرات تتراوح اليوم بين 2 و3 ملايين عراقي تحت سيطرة داعش في الموصل.
سكان الموصل هم عماد الوزن السني العراقي، إذا تم تجريف هذه المدينة بالحرب لا يعود لهذا المكون وجود حقيقي في العراق. ورغم التقارير المتضاربة عن نسبة السكان السنة في العراق، إلا أن هجرتهم وتهجيرهم عبر سنوات طويلة بسبب التهميش والطائفية والحروب، كل ذلك أدى إلى انكماش أعدادهم بشكل كبير. حتى أننا في الحرب الأهلية الأخيرة لاحظنا قلة أعداد السنة مقارنة بالوزن الهائل للمجتمع الشيعي.
تقول التقديرات الأخيرة إن هناك 900 ألف سني من الذين نزحوا وعاشوا في مخيمات أو مناطق سنية بسبب الحرب، عادوا إلى مناطقهم ولكنهم لا يعانون الحياة البائسة في مدن وقرى شبه مدمرة فقط، بل يكابدون الاحتجاز الجماعي في أماكن تحولت إلى معسكرات عزل. حيث الاعتقاد السائد هو أن كل سني إما داعشي وإما متعاطف مع داعش. هناك تقارير لدى الأمم المتحدة عن اختفاء الآلاف من المواطنين، خصوصا من الرجال بعد اعتقالهم من قبل قوات معروفة أو مجهولة.
الخلاصة أن سنة العراق قد تعرضوا لأكثر من تسونامي مدمّر منذ سقوط النظام البعثي. مرة بمقاومة الأميركان وقتل جنودهم، ومرة بالقاعدة والزرقاوي، ومرة ثالثة بداعش، وَقاد الحملة الإعلامية لهذا كله حزب البعث العراقي المنحل، الذي لم يجد وسيلة لمقاومة المشروع الشيعي وفقدانه للسلطة إلا بزج المجتمع السني في مغامرة أدت إلى تقطع أوتاده، وسقوطه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي تحت ضربات المارد الشيعي القوي والمدعوم عالميا.لم تظهر جهة لا عربية ولا عراقية عرفت كيف تخاطب هذا المكوّن الذي فقد رأسه بفقدان السلطة التاريخية في بغداد، وأصيب بالعمى والجنون. الجميع دفعه إلى ديوان الحماسة وها هو يخرج مبتور الأطراف من ديوان المراثي. بعض العرب أرادوا تخريب المشروع الإيراني بإثبات فشل الشيعة في الحكم، من خلال زج السنة في النيران، وها هي النيران تتصاعد من مساجدهم، ومن مدنهم التاريخية.
هذا ليس موضوع المقال، فلا جدوى من الكتابة عن عذابات السنة والكل يرى أشلاء أطفالهم كل يوم تتمزق أمام البيوت في الموصل. إنما الحديث عمّا بعد داعش وتحرير الموصل، ما هي الخطوة التالية؟
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي صادق على قرار ضم الميليشيات وقوات الحشد الشعبي إلى الجيش والأمن الداخلي. لهم حقوق ومخصصات ويشملهم قانون الترفيع والعلاوات، وقد تم ضمّ عشرات الآلاف من المقاتلين السنّة فيه. أليس هذا مخيفا؟ ماذا يفعل العراق بكل هذه القوات المسلحة؟
نوري المالكي بارك عملية ضم الحشد إلى الدولة وصرف مخصصات والاحتفاظ بالمقاتلين وقال “إننا حرصنا منذ البداية على تشريع القانون ليكون الضمانة لحقوق المجاهدين بعد كل التضحيات التي قدموها ومازالوا يقدمونها”، وفي نفس الوقت صرح بضرورة المطالبة بوضع “الوهابية” على قائمة الإرهاب الدولي في إشارة وقحة إلى المملكة العربية السعودية.
تحدث الإعلام السعودي مؤخرا عن إلقاء القبض على شبكة تجسس إيرانية في المملكة. كما سمعنا لأول مرة دعوة المفتي السعودي شباب المملكة إلى الجندية، وضرورة سن قانون الخدمة الإلزامية. عمليا نحن نقترب من نهاية داعش في العراق، ومشكلة سوريا بوجود الروس لا تميل لصالح المعارضة.
يقول فلاديمير بوتين بأنه يتفهم لماذا هذا الضجيج بين العرب وإيران. ويعتقد أن الولايات المتحدة وجدت بأنه من المهمّ أن يبقى حلفاؤها موحدين من خلال عدو مشترك، وقد وقع الاختيار على إيران. يقول إن روسيا تتفهم ذلك، ولكن على هذا الأمر ألا يخرج عن السيطرة. أي بمعنى أن روسيا ستعمل كوسيط لمنع أي احتكاك بين العرب وإيران.
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فالذين يعيشون في أميركا الشمالية يفهمون طريقة تفكيره. إنه من النوع الذي يقلب المعادلة. بدلا من أن يدور الحديث حول إصلاح العالم، يدور الحديث حول إصلاح أميركا. سياسة يسمونها بالبزنس (كلير هاوس) تصفية ولا يدخل بالتفاصيل. مكفرلاند، نائبة مستشار الأمن القومي الجديد في حكومة ترامب تقول “في الثلاثين سنة القادمة الشرق الأوسط سيغرق في الدماء والحروب الطائفية”.
تصر إيران على عدم إشراك السعودية في المعركة على الإرهاب وعدم مقاسمتها النصر، وتصر طهران على إشاعة العداء الطائفي وأن داعش نتاج المدرسة السعودية. ويبدو أن المراقبين في غاية الحذر من الخطوة الإيرانية المقبلة بعد تحرير الموصل. خصوصا لو راقبنا تصريحات الممثل الاستراتيجي للمرشد الإيراني في العراق نوري المالكي.
لاحظنا المبالغة في ردة الفعل العراقي، على تقرير كاذب نشرته صحيفة سعودية، يطعن في الزيارة الشيعية المقدسة إلى كربلاء. كان يمكن الاكتفاء باعتذار وتكذيب، ولكن التصعيد دفع الإعلام السعودي إلى تغيير رئيس تحرير الصحيفة وإقالة جميع المراسلين في بغداد. بل ونشر مقالات سعودية تبالغ في الاعتذار عن خطأ الصحيفة. هذا يعكس القلق من نوايا العراق تجاه المملكة.
الصراع بين المالكي والسعودية هو حول هويّة العراق. فالعراق عربي معاد لإيران، هذه هي النظرة التي رسخها البعث وصدام حسين. المالكي يرفض هذه المسلمة ويقترح إعادة تعريف العراق على أنه شيعي معاد للوهابية. أي أنه يريد تحطيم المسلمات البعثية، وهنا خطورة المالكي. فهو لم يغادر الحكم كما تتخيلون، هو زعيم الحزب الحاكم والرابط السياسي مع إيران، والمؤثر في الدولة العميقة، وهو نائب الرئيس.
أساسا كل مشروع داعش كان لكسر المالكي ومشروعه في تأسيس حكم شيعي مركزي تابع لإيران. الكل يتذكر الهستيريا والاعتصامات والفضائيات المخصصة للشيخ علي الحاتم وغيره عن المالكي ومشكلة المالكي. حتى عندما سقطت الموصل قال العدناني المقبور في خطاب الفتح الداعشي “ستلعنك الشيعة يا أُحيمق بيننا وبينك حساب طويل”.
نحتاج إلى الصدق في الكتابة. لا يفيد التأكيد على احترام طقوس الشيعة، لأن أهل البيت لم يظلمهم الهنود الحمر بل ظلمتهم (في رأيهم) رموز سنية مقدسة. وحين صرح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن دور إيراني في نشر الطائفية رد المالكي بلقاءات مكثفة مع وجهاء الأنبار تمهيدا لمشروعه.
المالكي يخطط لحرب على السعودية، ليس الهدف منها النصر بل إعادة تشكيل هويّة العراق. كان صدام حسين قد حور صواريخ سكود الروسية الصنع وأطلق عليها أسماء “العباس” و“الحسين” وكان يطلقها على قم وطهران في الحرب العراقية الإيرانية. المالكي حقود ولم يكفه ما جرى على سنة العراق من إبادة، بل يريد صواريخ شيعية يطلق عليها أسماء “عمر” و“أبوبكر” ويرسلها إلى العرب.
يقول محللون عراقيون إذا كانت سلطنة عمان تساعد إيران على التخلص من الماء الثقيل وتحسين ملفها دوليا وإذا كانت مصر ترسل جنرالات ومروحيات إلى بشار الأسد، فإن هذا يشجع المالكي على التصعيد وإعلان الحرب على المملكة بتحريض إيراني. طهران تخطط لإرهاق المملكة على حدودها الشمالية.
كاتب عراقي
أسعد البصري