ترس ، ترس ترّسنا (وئد القضية)
محمدصالح البدراني
من مشاكل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ضد أمتهم وأهلهم هو مناقشتهم بجدلية عدمية وكما يقال هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة لقضايا لا يفهمونها بأبعادها وأطرها يستقبلونها بالعواطف ويسمعونها على اللسان فيحولونها دونما تردد وكان هذا نوعا من الاحتجاج والشعور الوطني غير مدرك انه يمهد لقتل القضية التي في ظنه يدافع عنها.
بالونات اختبار:
كانت بالونات الاختبار تقيس رد الفعل، لكن اليوم ومع تطور الأساليب تستخدم لإفراغ الفعل، هنالك مثل موصلي حكيم رغم معناه الغريب يقول (ترس، ترس ترّسنا)، أي تكرار الشيء يضيع المصداقية ويقنعك بما لم يحصل انه حصل وليس مهما.
إذا بقي الفعل السلبي يتداول قبل حصوله فمعناها إفراغ رد الفعل في غير زمانه وبالتالي استعداد نفسي لقبوله كواقع حال، عندما يتحفز الجمهور على امر غير ملموس فتحدث فورة لا تجد من يستثمرها لأنها تعبر عن إرهاصات لأمر ما وليس له وجود إلا في الذهن وبما يشبه الخوف أي تحسب من امر قد لا يكون، فيفرغ مشاعر العامة، وعندما يحصل الحدث فعلا يكون رد الفعل ضعيف ومثبط من بعض الذين تأثروا به أول مرة.
هذا ما فعلته الفضائيات لتقبل نفوسنا مشاهد القتل والقضف والدمار كان قتل أنسان، أو ظلم أو استهانة بكرامة أو استخفاف بسيط، يثير الأمة الآن دمار الأمة لا يثير الأمة.
الفضائيات حينها كانت توصف بالجرأة وعين الحقيقة وعين الواقع وكل كلام فضفاض، بل إن المواطن يخشى أن تغلقها حكوماتها لهذا العرض أو ذاك وربما كان هنالك ما يطيب به خاطر المواطن بعد تحقيق مخاوفه باعتقال مصور أو صحفي ممن صدقوا انفسهم وتجاوزا الحدود المسموح بها، وهذا لا يعني تعميما فكثير من هذه الوسائل تقوم باستقلالية لكنها عمليا تقلد الموظفة لهذا الغرض لأنها تحقق نجاحا فعلا، لكنها كانت تزرع بذور تبلد الأحاسيس من حيث تدري ولا تدري عند مجتمع بدأ فعلا يتعرض للدمار والقتل ودوار الدم العلني والفضائيات تنقل تلك الأخبار بكل أمانة وأحيانا بلا أمانة ولكن الأمر سيان، هبة في النفس التي تشاهد تنطفئ مع تغيير المشهد ومن كان يخرج مظاهرات ويعتصم لا يقوم الآن أو يغادر الأريكة.
كذلك أصبح بطل الكيبورد يروج للأحداث السلبية وهو يتصور انه يحتج وانه اخترق أشراط الفروسية والعبقرية، وتغلب على الخوف والطغيان معا
على ماذا تحتج؟، فهل تحتج على أمر طرحه مجهول أو إنسان مريض وقد يكون مخطط فعلا… لكنك أفرغت رد فعل العامة في غير زمانه ومكانه؛ وهو رد فعل مطلوب في حينه في زمانه ومكانه وينفذ من يخطط مخططه بطريق مقدور عليها لاحقا وقد مهدت يا دون كيشوت المحتج الساحة لأصحاب النوايا السيئة، كمن يسرب (أسرار) مسؤول كبير ليتناقلوها همسا ثم تصبح شائعة، وتظهر الحقيقة أنها كانت وسيلته للترويج لهذا الإنجاز لوكلاء أخبار مجانيين، لنرى بوادر حدوثها ثم يجند لها ويحشد عندها سنجد شرارا القوم أمامنا وليس طواحين الهواء.
موظفي إعلام أم قضاة وحكام
ومن التقليد للغرب بقيم غير قيمنا وتعريف للأهلية غير تعريفها في ثقافة مجتمعنا وقد أخذته من العادات والتقاليد، نلاحظ أن (بعض) والبعض هذا الجزء الأكبر أعطي مساحة اكبر من حجم ثقافته أو مصداقيته ، بل اكثر من واجبه، فراح يتكلم مع “المسؤول” دون احترام لوظيفته وبالتالي دون احترام للدولة وتعريفها للوظيفة، والمشكلة أن هنالك من يجير هذا للشفافية والديمقراطية والبعض يعتبرها فهلوية ونصر شخصي، وبدأ يخترع فقرات ونصائح وينهال عليه الإعجاب من مجموعة من البشر عقيمة تريد أن تظهر في اللمة، وهكذا يتصور نفسه في مكانة غير مكانته فيتجاوز الأمر للتنظير والتقرير بل إهانة هذا وتقييم ذاك وكانه أهلا لهذا التقييم، وبذات المنوال ظهر المفكرون والمحللون السياسيون وكل من هب ودب لتتدهور القيم ومعايير الثقافة في الأمة عندها بدأ المفكر الحقيقي والقلم الفقيه يبدو غريبا ويطالب بان يذهب للتدني كي يفهم… هذا واقع مأساوي.
الالتزام مروءة:
لو أوقفت الناس أنفسها عن الأهواء الشاذة وأعادت تنظيمها لتكون فاعلة ومنتجة ولها مصداقية، لتغيرت معاني واستعدنا قيم الرجولة والمروءة والمصداقية، ولعرفنا من يجب أن يصغي لمن ومن ينظر ومن ينفد ومن يقود ومن يتزعم ولمن الصدارة، وكل هذه ليست لأفراد وإنما لمجموعات ومنظمات ومنظومات، لان وضعنا الحالي من الفلتان ما لا يحمد ومن العار أن يسمى شجاعا من يعتدي على إنسان مؤدب ويداهن من يهاب.