حب الرسول انتظام منظومة العقل
محمدصالح البدراني
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم (التوبة: 128 – 129).
لعل في خضم الانشغالات الحياتية والتهاء الناس بصعوبتها وضيق معاشها كما سعة الثروة ومتطلبات رعايتها يحتاج إلى استذكار مناسبة كهذه تذكرنا بولادة إنسان حبه فرض بل إن حبه فوق كل حب.
قال تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ (التوبة: 24).
لكن هل الحب بمعانيه الواسعة يبقى مجهولا للشارع، بحيث يتنوع فيه الاجتهاد؟
هذا الأمر واضح في القرآن انه حبا ليس بالهيام والغرام أو التيم والوله، وإنما هو حب وعي وتركيز وفهم للرسالة واتباع وتعمق فهي مهمة الرسول ﷺ وهي بهذا واجب على من يحبه أي يتبعه، انه ليس مراسيم اجتماعية وأغاني ومدائح، وان كان هذا تعبيرا عن السرور فلابد أن يكون في الاحتفال تذكيرا بضرورة الفهم وأعمال المنظومة العقلية، فهذه المنظومة التي ميزت الآدمية عن غيرها من المخلوقات والتي تمتحن في هذه الحياة فلابد أن يعرف الناس أن أهليتهم مهمة ليخوضوا الامتحان ومدى فهمهم للرسالة وإقامة عمارة الأرض ووراثتها بشكل صحيح…..
أن زعم الحب بلا اتباع أو القول بالوله ويبقى الإنسان على أهواءه وسطحية فهمه ولا يتفكر أو يتدبر فهذا ليس حبا وإنما إشباعا لغريزة التدين.
إن لمحبة الآباء متطلبات الطاعة للآباء وكذلك تحقيقا لما تصبو إليه الزوج والولد، والمال نفسه له متطلبات قد تدعوك للخروج عن الطريق الصائبة وعن رضى الله، فكم ممن دخل الامتحان متدينا وخرج لصا ظالما تافها لم يفده علمه إلا زيادة في التبرير والهروب ممن لا مفر منه.
نحن نرى اليوم دعوة المال وحبه ومستلزمات هذا الحب من مخالفة للضمير واكل السحت وأموال الناس بالباطل، نحن نرى متطلبات الجاه والمنصب من مخالفات لحب الله ورسوله، فافعلها بل ازعم أن ما افعله يصب في مرضاة الله بتحليل المال والدم والظلم.
إننا إن رأينا معنى الحب الهيام والذي لا يمنع الصيام عن الباطل فإننا أسأنا فهم الحب ومعناه وانه ليس عاطفيا فؤاديا وإنما حبا عقليا يمتلك اللب بقيادة السلوك وصناعة الحياة والتعامل كانسان آدمي فتسود الثقة والمروءة والتآلف فالسلام، وتلك لعمري من اطر الإسلام الذي غايته إن يحمي الأهلية وحق القرار والإرادة التي تحقق العزم إن كان قويا أو ضعيفا فهذا معنى الامتحان للمنظومة التي تميز بها الإنسان.
عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي!
فقال النبي: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي، فقال النبي: «الآن يا عمر» (رواه البخاري).
لنتأمل ونتدبر هذا الحديث الشريف لأنه يعرّف لنا معنى الحب كما هو وفهمه الصحابة مباشرة بحكم النقاء اللغوي عند قريش خصوصا وعموم العرب في ذلك العصر بفهمهم للغة.
هو (رض) قال إلا نفسي، وفي هذا نوع من الطاعة للذات، فقال له ص “لا والذي نفسي بيده،…” فقال عمر فإنه الآن ….، فقال النبي: «الآن يا عمر»، انه لا يملك عواطفه لكن يملك منظومته العقلية، فلو كان الحب عاطفيا لما تغير بلحظتها والا فهذا المدلول سلبيا، لكن الحب هو حب المنظومة العقلية للرسول ورسالته وطاعته في مهمته طلبا لرضى الله عندها يكون هذا التغيير اللحظي مفهوما بل دالا لمن يحيد فهمه عن معنى الحب لله ورسوله ومن تحب من عباد الله الصالحين.
آيات عديدة بينت أهمية هذا الحب وبعناه وهذا ارتباط عقدي فكري قيمي وبالتالي سلوكي مع الرسالة وحب الله ورسوله باق مادامت حياة والفداء بالمال والنفس للطاعة التي لا تموت
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه (آل عمران: 31).
قال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا (النساء: 69 – 70).
الطاعة لله ورسوله هي من تعطي المقام وفق عملك وفهمك للإسلام، فانت بشر بين بشر لست وكيلا على أحد ولا مسؤول عن أحد وانما النصح بالفهم وبأساليب النصح التي تتغير وفق تغير الزمكان.
هذا هو الحب ومعناه فمن وجد فيه هذا السلوك فقد وحب الناس والحرص على حقوقهم وكرمتهم وأهليتهم فهو يحب الله ورسوله وحسن رفيقا.