محمد صالح البدراني يكتب| دعم نهضة القدوة ضرورة لتحصين المجتمع
عراقيون/ مقالات رأي
القدوة، القيادة، الزعامة، والخط الرفيع
في بحث اخذ زمنا أجراه جيمس كوزيس وباري. ز. بوسنر يمثل حالة انتقال الفكرة ما بين إحصائية عام 1987، وأخرى 2007 وكانت طبعته السادسة عام 2017 وجد أمورا مهمة في التركيز على مواصفات القائد وارتفاع أهميتها بنظر المشاركين في الاستفتاء فنجد أن اهم تطور في الاهتمام هو بزيادة واضحة للأهمية في ثلاث نقاط (المصداقية حيث بلغت نسبتها 89% وقد كانت 83% أي مرتفعة في الأساس، ثم الرؤية وكانت 62% لترتفع إلى 71%، والتحفيز حيث ارتفعت النسبة من 58% إلى 69% في حين كانت الكفاءة مقاربة لنسبتها الأولى 67% أما الذكاء فكان في ذيل الاستفتاء للقيادة والاستفتاء جرى على مليون ونصف شخص).
تعريف القيادة مختلف ومفهومه مختلف، فالقائد هنا من يوجه الناس إلى هدف معلوم وتنفيدي وهو ما يمكن وصفه بالزعامة في بيئتنا لكن القيادة في مجتمعنا تختلط مع القدوة ويريد القائد إن تمكن أن يكون قدوة، وتتبعه الناس؛ وربما يرى هذا من ضرورات القيادة والسيطرة، لكن القدوة مختلف فالقدوة لا تتأثر مكانته في مدى صلاحيته أو موقعه، سواء كان قائدا أو من بسطاء الناس لان متطلبات القدوة
• سعة الأفق والتفكير ونجد هذا ليس بالأهمية في القيادة وفق توصيف استفتاء كوزيس وبوسنر
• الإلهام: وهو استقاء الصمود والنموذج الأعلى لتمثيل الفكرة والرؤية أو القضية التي يحملها
• الكفاءة: والكفاءة هي ما تتفاعل مع مدخلات الواقع وتعالجه لتعطي مخرجات للبيئة المحيطة.
• وأضيف الصفات القيادية التي ذكرناها وهذا ما يخلق التداخل في الفهم.
القائد ممكن أن يكون قدوة، والقدوة ممكن أن يكون قائدا، لكن ليس بالضرورة أن يكون القدوة قائدا، فقد يكون عاملا بسيطا، أو كاتب أو جندي يجسد معاني الجندية، فالالتزام كمنهج والمصداقية أساس، ولسنا هنا بصدد التشخيص والتسميات، لكننا نرى في الواقع اندماج بين القائد والقدوة وان ندرت، لأننا نشاهدهم قد تخلوا عن كل صلاحياتهم لأسباب عدة وربما فارقوا الحياة ومع هذا بقوا مصدرا للإلهام في السلوك والمصداقية والثبات.
القائد تنتهي مهامه ونفوذه بانتهاء المهمة، فقائد الجيش ينتهي دوره بإعفائه من قيادة الجيش، صحيح انه يبقى قائدا في مواصفاته لكن ليس قائدا في التأثير بيد انه سيكون قدوة إن كان له من مواصفات القدوة أثناء عمله ومواقفه.
وعلى هذا نقيس فسنجد أن كم القدوات قليل وان القيادات أوسع، والزعامات أكثر سعة وهي الناس المنفذة لمهمة وهذا ملتبس مفهومه في مجتمعنا بسبب تفاصيل اللغة، لان الزعيم ينفذ امر القائد أو يتطوع لتنفيده ولا يعني انه لا يملك مواصفات القائد والقدوة ولكن دوره في المنظومة محدد بمهام، والمنظومات الناجحة من توزع الأدوار، والا لو كان شخصا واحدا يحمل الصفاة ولا يحملها غيره لما بقت قضية ولا استمر عمل أو حصل إشغال لمكانه عند غيابه وهذا لا يتناسب وسنن الكون بل يعبر عن فشل القائد القدوة في تدريب امتداده لما يعمل له.
من القدوة ولماذا غياب القدوة:
فئات تتخذ الأهمية في القدوة في المجتمعات عموما اليوم، السياسيون في الدول الغربية وقلة منهم عندنا، لكن اغلب ما اضحى الواقع عليه هم الرياضيون والفنانون، أما المعلم وألام والأب فقد تراجعت مكانتهم كقدوات وهذا امر مؤسف، لان وضع المعلم الاجتماعي تراجع وظهور الجهل وتمكنه، ومعالم الرفاهية على الرياضي والفنان، بغض النظر عن وضعهم النهائي الذي غالبا يخفى ولا يبرز إلا الحسن منه، لكن التوجيه بالمسرحيات والمسلسلات يشكل في اللاشعور الاستخفاف من بعض الشرائح وتقوية بعض الشرائح، فالمقابلات التلفزيونية ندرما تكون لمربي أو عالم أو مهندس أو طبيب، لكن اكثر المقابلات والأخبار ومتابعتها لهذه الناس التي قد لا تحمل ثقافة أو رسالة.
أكبر كارثة هي إزاحة المعلم عن قائمة القدوة، وتسبب هذا بضعف الاهتمام بالعلم والتعلم وأضحت الدراسة تكميلية تنسى موادها في بعد الامتحان بساعة، وتكررت الاعتداءات على المدرسين، وبالتالي على احترام الإنسان لكبر سنه، كذلك المعلم وحالته المعاشية بحيث تمكنه من الاعتناء بهندامه وضبط سلوكه ليكون له مهابة وينظر الطالب له بعين كبيرة، وليس يركب الطالب سيارته ليرى أستاذه ماشيا أو متعلقا بالمواصلات، وهكذا حال معظم القدوات النظيفة.
الصحفيون، المثقفون، الكتاب، المفكرون وممن يقودون المعلومة والفكر مهملون متعرضون للمخاطر ولو أبرزت هذه الناس لتأثرت الطفولة التي تشاهد وتبني في اللاوعي توجهها عند الكبر، والالتفات لهذه الأمور من عناصر البناء والإعمار.
تصوير العلاقة مع الأم والأب صراع بين الأجيال قد يغلب إعداد الأبناء ووضعهم على الخط السليم في أحسن الأحوال ما لم يك الخلل أسرى، هذا يجعل للميديا ووسائل التواصل بأنواعها اليد الأطول في تشكيل عقلية ونفسية الأجيال.
في الوقت ذاته انشغال الآباء في متطلبات الحياة تركت التربية لوسائل التواصل الاجتماعي فيعيش الأطفال عالما افتراضيا بما فيه من تناقضات وأفكار هدم وبناء وربما إساءة استخدام هذا الرقي المدني من أناس فاسدين.
فهمنا للقدوة من أسباب غياب القدوة:
القدوة ليس نبيا معصوما ولا ملاكا، فهو يقتدى به في مجال وينتقد في مجال، لكن تربيتنا على المثالية التي لا تدرك، يجعلنا نبني نموذجا في خيالنا ليس حقيقيا نوصله لدرجة التأليه، فيخطئ وليس من بشر لا يخطئ، وهذا كاف لتحطيمه بل والهجوم عليه وتسفيه كل ما قاله ويصبح إبداعه خدعة وإخلاصه دجل، أو نضرب نموذجا من التراث ونعتبر استحالة الوصول بدلا من القول انه إنسان عادي ارتقت به الفكرة فالتزموا الفكرة تكونوا مثله.
القدوة هو نموذج مرحلي نوعي ليس مثاليا المطلوب من المقتدي به أن يكون في يوم ما أفضل أداء له بصمة خاصة في الحياة
آمل أن يكون هذا المقال منبها لاستعادة مكانة القدوات وتمكينهم في مكاناتهم لينهضوا بالجيل خلقا وأداء.