سعد سعيد الديوه جي يكتب| لماذا إعتذر قداسة البابا …؟
عراقيون/ مقالات رأي
تناقلت وسائل الإعلام على إختلافها في الآونة الأخيرة زيارة البابا فرنسيس الأول لكندا والتي أستمرت لمدة ستة أيام، وأهم ما في الزيارة التي جاءت بعد مرور ما يزيد قليلاً على عام من إكتشاف جثث لأطفال من الهنود الحمر بالقرب من مدارس داخلية كانت تديرها الكنيسة الكاثوليكية في إحدى المدن الكندية، وفيها طلب الصفح من السكان الأصليين (الهنود الحمر) عن المعاملة التي لاقاها أطفالهم بعد أن ثبت بأن الكنيسة في كندا فصلت مئة ألف طفل عن أُسَرِهم بهدف محو ثقافتهم الأصلية، ولا شك أنها مبادرة شجاعة ولكن ذلك لم يكن إلا جزءاً بسيطاً مما تعرض له الهنود الحمر من فضائع في الأمريكيتين بدوافع عنصرية مقيتة تحت غطاء الدين.
والحقيقة أن إستخدام الدين للأغراض الإستعمارية لم ولن يتوقف، والذي حدى بالرئيس الأسبق بوش ليصرح، بأن الله كلّمه وأمره بتحرير العراق، وأنه كرر لثلاث مرات بأنها حروب صليبية.
وهذه النظرية (الدين) يسميها السيد منير العكش في كتابه “تلمود العم سام”، بالمسيائية الأمريكية، وذلك نسبة الى المسيح عليه السلام وهو براء من ذلك.
وهذا “الدين” تمتد جذوره الى أعمال المرحلة الإستعمارية الأولى المشبعة بالمعاني والبطولات العبرانية عندما بدأت جحافل الأوروبيين بغزو العالم الجديد قبل (500سنة).
ولن نخوض بالتفاصيل في فكر هذه المسيائية والتي تعطي الحق في إجتياح وطن الآخر تحت ذرائع شتى.
ويدعي دعاة هذه المسيائية بأن الله أودع في أعناق شعبه الانكلوسكوني كل السُبل لإعادة صياغة العالم، ويقارنه السيد العكش بما تعرض له الشعب الفلسطيني على أيدي الصهاينة ولحد الآن.
إن هؤلاء القوم (الهنود الحمر) محيت آثارهم بالحبر الأبيض وهو ما يفعله المنتصر في محو تاريخ المهزوم، والذي مارسه الانكلوسكون بقسوة تحت ذرائع شتى، واستغلوا الدين أبشع إستغلال.
وينقل السيد العكش مواقف كثيرة للأنكلوسكون (المستعمرين) تجاه الهنود الحمر، حتى أن وزير الرئيس الأمريكي كوينسي أدامس (ت1848)، المدعو هنري كلارك قد كتب في مذكراته “بأن تمدين الهنود مستحيل، وأن قدرهم الحتمي هو الإنقراض، وهم عرق لا يستحق البقاء وسلالة عاجزة عن التطور، لهذا فإن إختفاءهم عن وجه الأرض لن يكون خسارة للعالم”.
أما الرئيس أندرو جاكسون وهو الرئيس السابع للولايات المتحدة، فقد أباح لكل أمريكي أن يطرد الهندي من أرضه وبيته وأن يستولي عليهما، وفي حملة إبادة هنود تكساس عرضت الدولة مكافأة لكل من يجيء بجثة هندي رجلاً كان أو امرأة أو طفلاً أو شيخاً مهما كان شعبه أو قبيلته، وأن الأمريكي لم يكن يرى في حياة الهندي أكثر مما يرى في حياة الكلب، بل أحط منها في بعض الأحيان!.
لقد تحولت الإبادة الى أشكال وألوان مختلفة أهمها الإحتقار والإزدراء، حتى أن السيد العكش ينقل عن أحد جنرالات أمريكا سابقاً ما نصه “ألم يحن الوقت لكي يفهم الهنود أنهم لم يكونوا حلفاء بل حثالة من العملاء الأنذال …؟”.
إن ما عمله الأنكلوسكون في أمريكا الشمالية، لم يكن مغايراً لما فعله الإسبان والبرتغاليون في أمريكا الوسطى والجنوبية، حيث أبيد الملايين من الهنود بإسم الرب، وهدمت حضارات رائعة كحضارة الأزتيك والمايا، كان تدمير ثقافة الهنود ومنجزاتهم وحضاراتهم أفظع من تدمير وجودهم الجسدي.
إن ما قام به قداسة البابا شيء جيد ولكن لن يفيد في تغيير مسار التاريخ للأقوام الأصلية في العالم الجديد كما يسميه المستعمرون الذين لم يتركوا شيئاً لأهله الأُصلاء إلا القبور.
ويضيف السيد العكش بأن خمسمائة عام لم تترك إلا ربع مليون هندي مسحوقين بالمخدرات والفقر الإجباري.
لقد فرضت هذه المسيائية سطوتها كذلك على المنحدرين من أصول أفريقية والذين تم خطفهم من أفريقيا ليعملوا في مزارع البيض، وكانت أعدادهم بالملايين، مات أكثر من نصفهم أثناء عبور المحيط نتيجة الإرهاق والمرض، وتقول هذه المسيائية بأن هؤلاء الأفارقة السود هم من ذرية “الملعون حام” وأنهم بسبب هذه اللعنة مُسخوا وصاروا يشبهون القرود!.
لقد كُتب الكثير عن أفكار هذه المسيائية ولكنها لا زالت تُمارس بأشكال عصرية وحديثة مما جعل العالم كله غير مستقر وتتقاذفه الحروب والمجاعات، مما يلقي ظلالاً داكنة حول مستقبل البشرية جمعاء، وإذا كانت دوافع البابا هي الإعتذار فهي بلا شك بادرة جيدة تُدين كل من يتاجر بإسم الدين ويعطي أطماعه الإستعمارية صبغة دينية بإسم المسيح أو غيره.