هكذا تحولت الحوادث المرورية إلى ماكينة تفتك بأرواح العراقيين
عراقيون/متابعة
صارت الحوادث المرورية ماكينة جديدة تُضاف إلى مكائن سلب وقطف أرواح العراقيين بعد أن كانت الصدارة لماكينات العمليات الإرهابية التي طالتهم خلال العقدين الأخيرين، إذ تجاوزت أعداد ضحاياها 3 أضعاف أعداد ضحايا أعمال العنف والإرهاب خلال العامين الماضيين.
وتقتل حوادث الطرق ما يقرب من 1.3 مليون شخص كل عام، أي بمعدل أكثر من وفاتين كل دقيقة، مع حدوث أكثر من 9 من بين كل 10 وفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
ومن الحوادث التي وقعت الشهر الماضي بالعراق حادث سير مروّع بمحافظة ميسان الجنوبية، توفي إثرها عبد الكريم الأنصاري (أبو مريم) نائب الأمين العام لمنظمة بدر، وتضررت مركبته بشكل كبير، وأصيب اثنان من مرافقيه.
آلاف الحوادث
ويعدّ 2021 من أكثر الأعوام الذي شهد ارتفاعا بالحوادث المرورية التي تفتك بأرواح العراقيين، إذ سجل 8286 حادثا مروريا، توفيّ على إثرها 2152 شخصا، لتتفوق هذه الماكينة على ضحايا العمليات الإرهاب وحالات العنف والانتحار، بمعدل 22 حادثا في اليوم تودي بحياة 6 أشخاص يوميا.
وارتفعت الحوادث المرورية عام 2021 بنحو 44% عن 2020 الذي سجل 4666 حادثا مروريا تسبب بوفاة 1552 شخصا، في حين ارتفعت نسبة ضحايا الحوادث بنسبة 30%.
وفي مقارنة بسيطة بين ضحايا الحوادث المرورية وأعمال العنف التي وصلت لنحو 596 ضحية خلال 2021، وضحايا الأعمال الارهابية والحالات الأخرى، فإن نسبة نسبة فواجع الحوادث المرورية تفوّقت على الأعمال الأخرى بنحو 3 أضعاف.
وبحسب تقارير سابقة، شنّ تنظيم الدولة 230 عملية خلال 2020، بلغت خسائرها نحو 812 بين قتيل وجريح ومختطف. وقد نفذ التنظيم خلال الأشهر العشرة الأولى من 2021 نحو 170 عملية استهدفت المدنيين وعناصر الأمن، ووصلت خسائرها نحو 837 حالة بين قتيل وجريح ومختطف أيضاً.
مثلث الحوادث
يلقي مدير إعلام مديرية المرور العامة العميد الدكتور زياد القيسي باللائمة في وقوع الحوادث المرورية على ما أسماه مثلث الحوادث المرورية: السائق الذي بإمكانه أن يقضي على معظم المشكلة بالتزامه بقواعد سير المرور، إلى جانب كل من المركبة والطرق.
ويقول القيسي -في تعليق على زيادة الحوادث المرورية- إن عدم التزام السائق بالنظام المروري وقواعد السير، السرعة المُفرطة والاجتياز الخاطئ من جهة اليمين، بالإضافة لاستخدام الهاتف النقال، عدم وضع حزام الأمان، عدم الامتثال للإشارات المرورية، كلها أسباب رئيسية للحوادث.
ولا يُبرئ مدير الإعلام ساحة المركبة من المسؤولية، إذ يُشير إلى أن صناعة السيارات الوقت الحالي مُختلفة عمّا كانت في السابق، فهي ليست بالمستوى المطلوب من حيث المتانة، وأغلبها تتميّز بالخفة والسرعة، وعند وقوع الحادث يكون التأثير السلبي أكبر على راكبيها.
وتأتي الطرق السيئة والتخسفات الموجودة وغير المُعبّدة منها، وغياب السياج الأمني فيها، لتزيد من احتمال وقوع الحوادث.
ويزيد القيسي من انتقاده لسائقي المركبات بأن قسما منهم لا يستخدم عند عطل السيارة شروط الأمان والمتانةـ ومنها وضع مثلث الإشارة عندما يقوم بالوقوف على المسار الأيمن، بالإضافة إلى استخدام الضوء العالي الذي يُصيب السائق المقابل بعدم القدرة على الرؤية.
ويعدّ الشاعر الشعبي المعروف سمير صبيح أحد أبرز ضحايا الحوادث المرورية، حيث توفي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على طريق بغداد الكوت، وهو أحد أبرز الطرق التي تشهدُ حوادث مرورية فاجعة باستمرار.
ماكينة الموت
ويصف القانوني والخبير الأمني والباحث السياسي كاظم الجحيشي الحوادث المرورية بإحدى ماكينات الموت في العراق. ويُشير بأصابع الاتهام لدول “مُجاورة” وأياد خفية تستخدم هذه الورقة أداة من أدوات تدمير وتخريب البلد، مع فشل كل الحكومات المُتعاقبة في معالجة مشكلة الطرق والجسور الرئيسية.
ويذكر “طرق الموت” بين محافظتي البصرة والعمارة، طريق الناصرية الديوانية، أربيل بغداد، التي باتت تحصد أرواح العشرات من العراقيين.
وأكثر ما يُثير الخبير الأمني هو تعدّد واستمرار مكائن الموت لاسيما بعد عام 2010، إذ يشير إلى الأداة الأولى والأبرز وهي المخدرات التي مازالت تفتك بالشباب، فضلا عن ظاهرة الانتحار التي باتت تزداد هي الأخرى نتيجة الضغوط النفسية والبطالة والظلم الذي يقع على شرائح المجتمع مع انتشار الأمراض والأوبئة وتحديدا المناطق الجنوبية.
جرس إنذار
من جانبه ينتقد عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي البقاء على آليات إدارة المرور التقليدية وعدم تحولها لآليات متطورة تكنولوجيا، واصفا ما يخصّ المركبات والطرق والجسور والإعمار بـ “الفوضى” الذي يعمّ البلد بسبب عدم توفر إجراءات ووسائل الأمن التي تكادُ تكون معدومة.
ويستغرب البياتي من أن أغلب هذه الطرق والجسور تعود لحقبة ما قبل عام 2003، ليُحمل بذلك الحكومات المُتعاقبة تقصيرا واضحا في معالجة أصل المشكلة المتعلقة بتنظيم آلية وجود المركبات ومدى ملاءمتها لواقع أو مساحة أو عدد أو نوعية الطرق والجسور.
ويرى زيادة أعداد ضحايا الحوادث المرورية عن غيرها بـ “جرس إنذار” للدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى ضرورة أن يقوم البرلمان بدوره إن كانت هناك حاجة لتعديل أو تشريع قوانين لإدارة آلية تنظيم دخول المركبات التي يجب أن تكون مناسبة مع طبيعة الطرق.
تصميم الطرق
وكان مدير عام دائرة الطرق والجسور حسين جاسم قد أشار -في حديث سابق- إلى أن أغلب الحوادث المرورية سببها ليس الطرق والتخسفات، بل السرعة التي تكون غالبا أعلى من السرعة المقننة للطرق والتي تتراوح بين 100-120 كلم/ساعة.
وعزا تأخر العراق في مجال منظومة الطرق، من حيث سلامة التأسيس والعلامات ومسافات الارتدادات عن حواف الشوارع، إلى قلة التمويل وعدم الالتزام بالقانون وبناء مطاعم ومحال محاذية وملاصقة للطرق، فضلاً عن سرقة بعض المقتنيات كالأسيجة الواقية والعلامات الدالة.
كما انتقد كاظم بقاء العراق على النهج التقليدي القديم في تحميل الدولة تكاليف إنشاء الطرق وتطويرها وحتى صيانتها وتأهيلها بأموال الموازنة العامة، من دون وجود جباية لمثل هذه الأمور.