شوان زنكنة يكتب|العالم على أبواب الركود التضخمي
عراقيون | مقالات رأي
أعلنت وزارة العمل الامريكية الأربعاء الماضي ، أن مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) في أمريكا قد بلغ 8.3% على أساس سنوي في شهر نيسان الماضي، وكان متوقعا أن يكون 8.1%، وقد كان هذا المؤشر 8.5% في شهر آذار الماضي، الذي بدأ فيه البنك الفدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة، وذلك لدفع معدل التضخم إلى الانخفاض، ويبدو أن هذا الإجراء لم يكن كافيا لتحقيق توقُّعات المراقبين، فبقي شبح التضخم مخيّما على الاقتصاد الأمريكي، ومهدّدا له، خاصة وأن مؤشر أسعار المُنتِجِين (التضخم في أسعار الإنتاج) الذي تم الإعلان عنه الخميس 12/5/2022 قد سجل رقما فوق ما توقَّعه المراقبون، إذ سجل 11% على أساس سنوي، في حين كان متوقَّعا أن يكون 10.7%، وكان هذا المؤشر قد سجل 11.2% في شهر آذار الماضي، وهذا يعني أن نسبة التضخم في المؤشرَين قد انخفض 0.2% على أساس سنوي خلال شهر واحد.
تأخّرَ الفدراليُّ الأمريكي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لكبح جماح التضخم، لأنه كان يعتقد أن هذا التضخم مؤقَّت، ناجم عن الطلب الحاصل نتيجة التعافي من جائحة كورونا، إلا أنه تبين خلال هذه الفترة أن الفدرالي الأمريكي لم يكن موفقا في تقديره، لذلك بدأ من شهر آذار الماضي برفع سعر الفائدة، وتقليل حجم الكتلة النقدية في السوق، ولكن بوتيرة بطيئة، ويبدو أن هذه الوتيرة ليست كافية لتخفيض معدل التضخم بالقدر المطلوب.
ويعود السبب في بُطء إجراءات البنك الفدرالي إلى خشيته من تضرر الأسواق والبورصات المحلية والعالمية، واقتصادات الدول وعملاتها نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، الذي لامس مؤشرُ سعرِه حاجزَ 105 نقطة، ناهيك عن تعرّض الشركات الأمريكية إلى خسائر ائتمانية نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة.
لكن الأهمّ من كل ذلك، هو أن الإدارة الأمريكية محصورة بين فكي الفائدة والتضخم، فلا هي تستطيع رفع سعر الفائدة بالقدر الكافي لمعالجة التضخم، ولا هي تستطيع، في نفس الوقت، من تخفيض معدلات التضخم، لأن الجزء الأكبر منها ناشئ عن أسباب خارجية، وعن مخلفات الصرعات السياسية والاقتصادية العالمية، التي تدير الجزء الأساسي منها أمريكا نفسُها.
فالصين، وبحجة تصفير الوباء عندها، تتسبّب بقطع سلاسل الإمدادات، وتقليل المعروض من السلع، وبالتالي رفع أسعارها، ضاغطة بذلك على أمريكا، ومتسبّبة في عدم تمكنها من تخفيض معدل التضخم بالقدر الذي تتوقّعه، أو ترغب فيه، من جهة.. وروسيا، التي تردُّ على الحصار الغربي عليها، بتقنين الطاقة والغذاء، وبالتالي رفع أسعارها، واستمرارها في الغزو ومواجهة الغرب في أوكرانيا، من جهة أخرى.. كل تلك، هي عوامل خارجية أثرت، وستؤثر في كلف الإنتاج في أمريكا، مما يجعل انخفاض مؤشر أسعار المنتجين في أمريكا أمرا في غاية الصعوبة على المدى المنظور، وهذا يعني انخفاض الإنتاج، وتراجع الناتج الإجمالي المحلي ( النمو)، وارتفاع معدلات البطالة، وبالتالي، دخول البلاد في حالة من الركود المزمِن، وإذا أضفنا إلى هذه المشكلة العويصة، مشكلةَ ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين ( معدل التضخم)، وانخفاض مشتريات الأُسَر، فإن أمريكا ستجد نفسها حتما في مواجهة حالة من ركودٍ تضخميٍّ، داخل حلقة مفرَغة، لا هي تتجرّأ على معالجتها بكفاءة، ولا هي تستطيع تلافيها، بسبب امتدادها الخارجي، وطبيعة الصراع الدولي الذي قادته بنفسها.
والأشهر القادمة، ستكون المِحَكَّ، بالنسبة لأمريكا، وبالتالي بالنسبة للعالم، في مشكلة الركود التضخمي التي تجتاح أمريكا، ومن خلالها ستتسرب الى كل دول العالم، وستعاني الأسواق والبورصات العالمية من أزمات، وستنخفض أسعار النفط، أما أسعار الذهب والفضة، فستنخفض قليلا، ولكنها ستحافظ على مستويات معقولة، لأنها ملاذات آمنة منخفضة المخاطر، أما السلع الأساسية، وبالأخص الغذاء فإنها ستحافظ على أسعارها المرتفعة، رغم الركود الذي يجتاح العالم. وهذا هو ما نسميه “الركود التضخمي”، ويعني: ارتفاع أسعار السلع الأساسية، في ظلّ ركودٍ اقتصادي في الأسواق وتراجعٍ في الإنتاج والنمو وارتفاعٍ في البطالة.