سرمد كوكب الجميل يكتب | العملة والبنك المركزي والمجتمع
عراقيون | مقالات رأي
تعامل الانسان بالتبادل السلعي لتلبية حاجاته وسميت بالمقايضة وتبعها بالمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والنحاس وعندما وجد الامر يزداد صعوبة في حمل هذه المعادن ونقلها والحفاظ عليها وتامينها ظهرت الاوراق التي وضع في متنها الضمان والثقة والمبلغ المستحق، وكان هذا في القرن الثامن عشر وقد كان هذا تطورا كبيرا في ظهور الورقة لتحل محل العملة المعدنية بما تجسده من قيمة، فكيف يمكن لورقة ان تكون وحدة لقياس القيمة ؟ ويكاد يكون الحدث الاهم الذي تناوله الكتاب والباحثين بالتحليل والدراسة ما حدث في سنة ١٧٨٩ في مؤتمر توحيد الولايات الامريكية وقد ضم امران مهمان هما: اللغة والعملة وطرح الدولار كعملة للولايات الامريكية وفعلا كانت النتائج سنة ١٧٩٢ بقرار اللغة الانكليزية والعملة الدولار وهما من وحد الولايات لتكون الولايات المتحدة الامريكية .
واستمرت العملات بوصفها وحدات قياس للقيمة والتبادل بضمان ما يقابلها من ذهب، وهكذا لبقية العملات الورقية فقد كان التطور الاهم الذي يحمل قوة ابراء ووسيلة للدفع والتبادل وخزينا للقيمة بدلا عن العملات المعدنية وقد اتسمت العملة الورقية بسمات منها تناقص قيمتها التدريجي عبر الزمن ولهذا عوّض بسعر الفائدة بوصفه تعويضا لما تفقده الورقة من قيمة ومن دون الخوض بالتفاصيل التي عاشها العالم وقواعد اصدار العملات للدول الا انها ارتبطت بمؤسسة تعد الاهم على الاطلاق من حيث ارتباط الناس بها والمتمثلة بالبنك المركزي الذي يعد بمثابة التطور الاهم الذي شهدته دول العالم في القرن التاسع عشر فكان بمثابة المؤسسة التي تصدر العملة الورقية وتحمي حقوق الناس واستحقاقاتهم وثرواتهم من خلال العملة الورقية التي اصبحت المقياس والمعيار للتقييم والتسعير وقد اكتسبت الورقة قيمتها مما يحتفظ به البنك المركزي للدولة من ذهب وعملات تشكل احتياطيات داعمة ساندة للعملة وتسيد الباون الاسترليني العالم طيلة القرن التاسع عشر ولغاية منتصف القرن العشرين وبالتحديد سنة ١٩٥٧ عندما اوقفت بريطانيا تمويل التعاملات الدولية بالباون لتترك المجال للدولار ليحتل تلك المكانة .
تكتسب العملة الورقية قيمتها من توقيع البنك المركزي عليها والنص بانها صادرة بقانون من ذلك البنك وعلى الرغم من انها قصاصة ورق ولكنها تكتسب قيمتها من كونها تشكل التزامات على البنك المركزي يقابلها ما في البنك المركزي من موجودات مالية من ذهب وعملات اجنبية ولهذا ترتبط قيمتها بحجم تلك الموجودات واي انخفاض في قيمة العملة يعني نقص في موجوداته او زيادة في التزاماته بثبات موجوداته تخيل كفتا ميزان الكفة الاولى فيها كيلو من الذهب او الفضة او النحاس او اي مادة معدنية قيمة والكفة الثانية فيها ما يعادل كيلو من القطن او من القطن المنفوش فتجد حجمه كبيرا ووزنه خفيف فكذلك العملة وارتباطها بالكفة الاولى انها معادلة العملة ما بين قوتها وضعفها ولما كانت العملة هي الاداة لقياس كل التعاملات المالية من الدخل والثروة والاجر والبيع والشراء والقروض وغيرها وكلها بالعملة تلك، مما يعني ان الانسان شاء ام ابى مرتبط بحياته بهذه العملة ففيها غناه وفقره وفيها قوته وضعفه وهنا تكون العملة مثلها مثل اللغة فقوتها عامل توحد وقوة وثروة وبيان وضعفها عامل تدني وضعف وانهيار مما يؤشر ان كل ما يتعلق بالعملة مصدره تلك المؤسسة المعنية وهي البنك المركزي لهذا اشترط استقلاليتها وحياديتها وامانتها وشفافيتها ففيها حق الملايين من البشر المواطبين لتلك الدولة .
لاجل ذلك شبه المختصون العملة باللغة فكيف تفعل اللغة فعلها في المجتمع فكذلك العملة تفعل فعلها في رقي المجتمع ونمائه واسلوب حياته ونمط عيشه فاذا ابتذلت لغة مجتمع تفكك وانحدر واذا تعززت لغته عز عيشه وارتقت اساليب حياته وكذلك العملة فهي تجسد ذلك ماديا ومعنويا انهما رافدان ومقومان للمجتمع والنهوض به .
هذه الثلاثية ” العملة.. البنك المركزي.. المجتمع ” تجسد علاقة تبادلية غاية في الاهمية ويمكن لاي فرد ان يفقهها ببساطة اذا كان متابعا لسلسلة الاحداث التي مر بها العراق خلال الخمسين سنة التي خلت من خلال عملته فقد كانت من القوة بمكان اول اصدارها في الثلاثينات واستمرت لغاية نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي حيث بيع العملة العراقية فئة ٢٥ دينار بمل يعادل ١٠٠ دولار في سوق نيويورك نهاية سنة ١٩٧٩ وبدات بعدها تراجيديا الانحدار بالدينار لغاية اليوم انها خمسة عقود من الخلل المزمن في تلك الثلاثية بين العملة والبنك المركزي والمجتمع فقدت العملة ٩٩٠٩ % من قيمتها وما تبقى ٠.٠١% من قيمتها لاجل ذلك فان اهم ما ينبغي التركيز عليه وحمايته ودعمه هو البنك المركزي فهو خط الصد الاول لاية ازمة مالية وهو من يتحوط ومن يدير العملة في الاقتصاد وهو من يصيغ السياسة النقدية واداته العملة فتعزيزها ودعمها وتقويتها هو تعزيز للمجتمع وكرامته ولقمة عيشه ومستقبله…!!