رمضان حمزة يكتب | في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا مياه الســلام أم ســـلام المياه؟

عراقيون | مقالات رأي

لعل من المفيد أن نتذكر بان هناك ارتباطاً وثيقاً بين السلام والمياه لكون المياه من أهم مستلزمات الحياة ومكوناتها، وإن وجود الحياة على كوكب الأرض ليس إلا بسبب وجود المياه على سطح هذا الكوكب في شكله السائل دون غيره من الكواكب. ولما كان الصراع على البترول خلال العقدين الأخيرين قد انتهى بشكل أو بآخر والغاز في العقود المقبلة ، فإن الصراع على أشده الآن وفي المستقبل المنظور سيكون على مصادر المياه ومنابعه حيث لا توجد اتفاقات راسخة تنظم استخدام المياه الدولية وكل دولة تضرب عرض الحائط بمصالح الدول المجاورة مما يعقد المشكلة وتتحول بمرور الزمن إلى صراع.

حيث أن أزمات المنطقة لها جذورها المائية وإن أية اتفاقية بين العرب وإسرائيل منذ البداية لم تخل من بند المياه، وأن تعثر تنفيذ بنود اتفاق السلام هو بسبب عدم التوصل إلى توزيع الموارد المائية المحدودة في المنطقة وسبل ترشيدها، وحيث أن اختلال التوازن العسكري بين الدول العربية من جهة وإسرائيل وتركيا وإيران من جهة أخرى بسبب أزمة الحروب المتتالية ولصالح إسرائيل وتركيا لحد الآن، وجود إتفاقيات السلام الإقليمية والعديد من مؤتمرات ومبادرات المياه، كل هذا قطف لثمار النصر الظاهري وفك طوق العزلة السياسية والاقتصادية عن إسرائيل، في الوقت الذي اتجهت تركيا إلى الاستئثار بمياه الفرات ومن ثم مياه نهر دجلة رغم وجود مصادر مياه غزيرة أخرى في أراضيها مستغلة ظروف المنطقة لصالحها.

إن أساس عملية السلام في الشرق الأوسط تستند على ثلاثة مرتكزات رئيسية من منطلق السياسة الخارجية الأمريكية وهي: الأرض-السلام -الثروات ومن هنا يبدو لنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بالأمن المائي لإسرائيل من خلال دمجها ومشاركتها في المشاريع المائية لإسرائيل مع الدول العربية، إضافة إلى ربط تركيا بدور مائي وأمني أيضاً أن هذا التوجه نحو السلام قد أخذ منحى جدياً لأن للمياه دوراً يماثل طبيعتها فهي المادة التي يستعين بها الإنسان لإطفاء الحرائق لا لإشعالها.

وحيث لا يكون هناك سلام من دون أمل ببناء الثقة بين الأطراف المتنازعة والمشاركة في استعمالات المياه، ومن هنا جاء طرح الرئيس التركي الراحل توركت أوزال (مشروع مياه السلام) لنقل المياه من نهري سيحون وجيحون إلى كل من سورية والأردن والسعودية ودول الخليج ويكلف حوالي (20) مليار دولار حيث يبلغ الوارد السنوي في هذين النهرين (29.170) مليون متر مكعب تستخدم منه تركيا (23.70) مليون متر مكعب ويصب الباقي في البحر المتوسط وحيث لم يرد ذكر إسرائيل ضمن المستفيدين من المشروع لعدم قبول الدول العربية، ولكن عند تنفيذ المشروع فإن واقع الحال سيملي بإعطاء حصة إسرائيل.
وهناك فكرة أخرى بنقل جزء من مياه النيل إلى إسرائيل ضمن مجال التعاون المصري-الإسرائيلي لدعم أركان السلام ودمج إسرائيل في المشروعات المائية المشتركة. وما مشروع سد النهضة الأثيوبي المثير للجدل إلا مثال واضح وجليُ لدور إسرائيل في الملف المائي للمنطقة وإداركها لأهمية هذا الملف في تشكيل وصيرورة مستقبل المنطقة .

إن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى مشاريع مختلفة لنقل المياه من مصدرها إلى السكان في المناطق التي تعاني من شحة المياه فيها، وهذه المشاريع بعضها ضرورية وحيوية لتلبية المتطلبات الحضارية الحديثة، وبعضها الآخر أقل ضرورة وليس سوى خطوة اقتصادية مفيدة مجمدة حالياً بسبب عدم وجود السلام، وبناءً عليه سيشكل التعاون في مسائل المياه عاملاً مهماً من عوامل التعاون الشامل الذي يصبح ممكناً ومطلوباً في حال وجود سلام بين دول المنطقة، لأن لموضوع المياه أهمية خاصة في تكوين بنية السلام الإقليمي.

إن جغرافية المنطقة التي جعلتها بين قطبي مصادر المياه النيل والفرات ومجاروة الوفرة والجفاف.. كان أساساً لنـزاعات وتحالفات منذ القدم، فقبل آلاف الأعوام جذبت مصادر مياه الأردن سبط دان الإسرائيلي وكانت سبباً للحرب، ولكن مياه النيل جذبت يعقوب وأبناءه إلى مصر أثناء فترة الجفاف والقحط في أراضي كنعان وكانت سبباً للاتفاق قديماً وحديثاً ، كان الحل التقني لمشكلات اختلال التوازن بين المناطق الوفيرة والمناطق القليلة المياه يتمثل في انتقال الناس إلى المياه، واليوم وبفضل التقدم التقني يكمن الحل لهذه المشكلات في نقل المياه للناس.

لذا فإن السلام الإقليمي الذي يقترب يفرض إعادة تقويم مصادر المياه الإقليمية والتخطيط لاستخدامها على الوجه الأمثل، وذلك كجزء من إعادة أوجه الحياة وفي مقدمتها المياه التي تنبع أولويتها من أهميتها الخاصة للإنسان في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *