سعد سعيد الديوه جي يكتب | سقوط نظرية هنتنجتون في أوكرانيا
عراقيون | مقالات رأي
يُعَد صموئيل هنتنجتون (ت2008م)، واحداً من أكثر المُنَظرّين السياسيين شهرةً في العالم، نتيجة موقعه المرموق في أشهر الجامعات الأمريكية ومستشاراً سياسياً لبعض الرؤساء الأمريكان، وقد نشر مقالاً عام 1993م بعنوان “صِدام الحضارات”، The Clash of Civilizations، ثم طوره عام (1996م) ليصبح كتاباً كبيراً بعنوان “صِراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي”.
وكان الكتاب في بعض جوانبه رداً على نظرية تلميذه فرانسيس فوكوياما الذي قال بأن النظام العالمي الجديد بعد سقوط الإتحاد السوفيتي عام (1991م) سيقوم على أُسس الديمقراطية والليبرالية، وإن حدثت حروب فستكون على أُسس قومية، وأن القيادة العالمية للغرب فقط.
عارض هنتنجتون في كتابه نظرية فوكوياما وأعتبرها نظرية قاصرة، وقال بأن الإختلافات الثقافية (الإيديولوجية) ستكون المحرك الرئيسي للنزاعات والحروب بين الدول في المستقبل!.
وعلى هذا الأساس قسم العالم الى عدة حضارات مختلفة هي الغربية واللاتينية واليابانية والصينية والإسلامية والأرثوذكسية والأفريقية والبوذية، وبالتأكيد فإنه يقصد بالحضارة الغربية هي الحضارة التي تتبع البروتستانتية والكاثوليكية لأنه عزل الأرثوذكسية عن المسيحية.
ولم ينظر هنتنجتون نظرة واقعية الى تاريخ الإستعمار الحديث والقديم ليعرف أن أسباب معظم الصِدامات والحروب هي الأطماع الإستعمارية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وأن الدوافع الدينية كانت غِطاءاً في معظم الحروب قديماً وحديثاً.
ولم يكن هنتنجتون موضوعياً أو محايداً في كثير من الأمور المطروحة، وكان مندفعاً بتعصبه البروتستانتي، فيقول عن الحضارة الإسلامية ودينها الإسلام “بأن حدوده دموية وكذلك مناطقه الداخلية”، وأن سبب قيام حضارة متميزة في أمريكا كان بسبب نوعية المهاجرين البروتستانت حسب قوله، الذين أبادوا السكان الأصليين عن بكرة أبيهم وأقاموا حضارة متميزة.
بينما لم ينجح الفاتحون الكاثوليك في إنشاء حضارة متميزة في باقي الأماكن كالمكسيك وأمريكا الجنوبية.
وعلى هذا النسق فإنه يقول بأن الصِراع في الحروب القادمة سيكون بسبب الإختلافات الثقافية وهي المحرك الرئيسي لها، حيث يجعل ما تسير عليه الولايات المتحدة (الحضارة الغربية) في نهجها الثقافي الأمثل بعد الحرب الباردة، وهو تحليل ساذج بجانب لو قارناه بالدوافع المسببة لغزو أفغانستان والعراق (الحضارة الإسلامية).
أما ما يحدث الآن من حرب ضروس بين روسيا من جهة وأوكرانيا من جهة أخرى على أرض أوكرانيا لم يكن لأسباب ثقافية (دينية)، فكلتاهما تنتميان الى (الحضارة الأرثوذكسية)، حسب تصنيف هنتنجتون، وتنتميان الى العرق السلافي، حتى أنه من الصعوبة التفريق بين القوميتين الروسية والأوكرانية لغوياً ومذهبياً، ولكن الغرب يقف بكل قوته خلف أوكرانيا ولا تبرير لذلك إلا المصالح مهما كان الثمن.
لقد كان الدافع لذلك هو الأطماع الإستعمارية ومحاولة تطويق روسيا الإتحادية لغرض تفكيكها وإعادة ما حصل سابقاً للإتحاد السوفيتي، ثم الإقتراب من حدود الصين العدو الخفي اللدود.
لقد إندفع هنتنجتون تحت وطأة الشهرة والغرور لنظريته البائسة والشهيرة الى هذه التحليلات الساذجة بين اوساط أكاديمية شهيرة مثل جامعة هارفارد وسط دعاية لا مثيل لها.
يقول الدكتور رضوان السيد الكاتب السياسي الشهير، بأنه كان حاضراً لإستماع محاضرة سياسية عام (2007م) لأستاذ شهير في مدرسة كندي للحكم في جامعة هارفارد عن سياسة العقوبات ضد إيران التي تتبعها الولايات المتحدة لمنعها من إنتاج السلاح النووي، فقامت أستاذة معروفة وقالت بأن السياسة الأمريكية كانت تَمنَح وهي الآن تُعاقِب!.
فعلق على قولها هنتنجتون قائلاً، أولاً يكفيكِ يا عزيزتي إننا سنعطي إيران اليوم أو غداً العراق؟!، هكذا يفكرون خارج نظرياتهم الأكاديمية وبهذه الطريقة يفكرون في خلق المشاكل بين الدول خدمة لمصالحهم بعيداً عن ما يقولونه في ندواتهم الأكاديمية!.