صراع أميركي إيراني على الحدود العراقية السورية نقاش/ مصطفى حبيب
إيران والولايات المتحدة تتنافسان بينهما لمسك الحدود ويستخدم كل طرف حلفاءه المحليين، إيران تستخدم الفصائل الشيعية وأميركا تستعين بمقاتلي العشائر السنية.
حدود مفتوحة على صراع جديد
بعد شهور من الهدوء بين الولايات المتحدة وإيران حول العراق، لاحت بوادر صراع جديد بين الدولتين المتنافستين على النفوذ في البلاد، وهذه المرة ستكون الحدود العراقية – السورية الميدان الجديد للصراع بين الطرفين.
بينما تخوض قوات الأمن العراقية معركة حاسمة ضد تنظيم الدولة المتشدد في مدينة الموصل آخر معاقل المتطرفين في العراق، تفكر الحكومة العراقية في كيفية حماية الحدود مع سوريا، لان بقاء الحدود سائبة تحت تصرف المتطرفين يبقي الأخطار على المدن المحررة على المستوى البعيد.
وبدأت قوات “الحشد الشعبي” تخطط للسيطرة على الحدود العراقية – السورية عبر آلاف من المقاتلين المدعومين من إيران، كما أن الولايات المتحدة بدأت التحرك نحو هذه الحدود أيضا وشجعت العشائر السنية على إطلاق عملية عسكرية لهذا الغرض، فلهذه الحدود أهمية جيوسياسية.
ولكن المعركة من اجل الحدود ليست عسكرية فحسب وإنما سياسية أيضا، فالمعارك على حدود دولية تتطلب تنسيقا بين العراق وسوريا أولا، ومن ثم تنسيقا مع الولايات المتحدة وإيران ثانيا، إذ تسعى إيران لإيجاد طريق بري بينها وبين حليفتها سوريا منذ سنوات، بينما تعمل الولايات المتحدة وحلفائها على منع حصول ذلك بأي ثمن.
عندما انطلقت الحملة العسكرية لاستعادة مدينة الموصل من المتطرفين في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصرت الفصائل الشيعية العراقية القريبة من إيران على المشاركة في القتال برغم التحفظات المحلية والدولية على ذلك، وتمكنت هذه الفصائل من فرض إرادتها، ولكنها ابتعدت عن الموصل وتوجهت الى منطقة أهم استراتيجيا وهي بلدة تلعفر القريبة من الحدود مع سوريا.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قال رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال مؤتمر صحافي أن “الحدود العراقية – السورية تحتاج الى إجراءات أمنية لمنع عودة المتطرفين الى العراق بعد طردهم في الموصل”، وأرسل العبادي وفدا إلى سوريا برئاسة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض لمناقشة ذلك مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وبعدها أعلن عدد من قادة الفصائل الشيعية استعدادهم لانتشار مقاتليهم على الحدود مع سوريا، وقدموا طلبا الى رئيس الوزراء حيدر العبادي لمنحهم هذه المهمة، ولكن العبادي لم يوافق على هذا الطلب حتى الآن.
منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري التي تمتلك فصيلا مسلحا قويا ولها تمثيل سياسي في الحكومة والبرلمان والعراقي طالبت بان تقوم قوات “الحشد الشعبي” في حماية الحدود مع سوريا.
ويقول النائب عن “بدر” في البرلمان رزاق الحيدري لـ “نقاش” أن “حماية الحدود مهمة لقطع إمدادات داعش، والحشد الشعبي يستطيع مساعدة القوات الأمنية في تحقيق ذلك لأنها قوات مدربة جيدا على قتال المتطرفين”.
كما أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المعروف بعلاقته الوثيقة مع “الحشد الشعبي” أعلن خلال زيارته الى طهران الأسبوع الماضي أن “بإمكان الحشد الشعبي عبور الحدود والتوجه إلى سوريا لمساعدة إخواننا في القضاء على هذا التنظيم”.
هذه التصريحات أثارت قلق الولايات المتحدة وسرعان ما خططت لتنفيذ عملية عسكرية على الحدود العراقية – السورية في محافظة الانبار، لمواجهة خطة إيران بدفع قوات “الحشد الشعبي” نحو الحدود العراقية – السورية عبر محافظة نينوى.
ويبلغ طول الحدود العراقية – السورية أكثر من 600 كلم تمتد من محافظة الانبار غرب العراق وصولا الى محافظة نينوى شمالا، وهي حدود صحراوية وعرة تضم ثلاثة معابر حدودية فقط، معبر الوليد ويسيطر عليه الجيش العراقي، ومعبر القائم ويسيطر عليه تنظيم الدولة، ومعبر ربيعة وتسيطر عليه قوات البيشمركة الكردية.
وفي آب/أغسطس 2014 أعلن تنظيم الدولة عن “ولاية الفرات” ضمن عملية “كسر الحدود” ملغيا حدود سايكس بيكو التي رسمت الحدود بين العراق وسوريا قبل 100 سنة، ودمر المتطرفون في حينها السواتر الترابية الحدودية بين الدولتين لتصبح منذ ذلك الحين طريقا استراتيجيا يتم خلالها نقل الأسلحة والمقاتلين بسهولة.
الخميس الماضي أعلن مقاتلو العشائر في الانبار إطلاق عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على ثلاث مدن ما زالت تحت سيطرة المتطرفين وهي عانة وراوة والقائم التي تمثل معقلا مهما لقادة تنظيم الدولة، والغريب أن الحكومة العراقية لم تعلن عن هذه العملية ولم تصدر بيانات يومية عن سير المعارك هناك.
ولكن مقاتلي العشائر في الانبار قالوا أن العملية العسكرية جرت بالتنسيق مع الحكومة وبتشجيع من القوات الأميركية الموجودة في قاعدة “عين الأسد” ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود.
عمر المحلاوي وهو احد مقاتلي العشائر في بلدة حديثة التي انطلقت منها العملية العسكرية نحو الحدود، يقول لـ “نقاش” أن “قوة مشتركة من العشائر بلغ عددها أكثر من ألفي مقاتل وقوات أخرى من الفرقة السابعة التابعة الى الجيش شنت هجوما مفاجئا على بلدة عانة ضمن خطة سرية لم يعلن عنها لمنع المتطرفين من الاستعداد لها”.
المحلاوي يقول أيضاً إن “العملية العسكرية جرت بالتنسيق مع ضباط كبار من الجيش الأميركي تم الإعداد لها في قاعدة عين الأسد، كما أن القوات الأميركية سلمت القوات العراقية والعشائر معلومات استخباراتية مهمة حول أماكن داعش وأكدوا أن طائراتهم ستشارك بكثافة في العملية العسكرية، حتى أن جنوداً من القوات الخاصة الأميركية شاركوا في العملية”.
في الأسابيع الماضية كانت الغارات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة محدودة على مناطق غرب الانبار الواقعة على الحدود مع سوريا، ولكن منذ أيام ازدادت الغارات الجوية بشكل كثيف وساهمت بتقدم أفواج العشائر نحو بلدة عانة أولى البلدات الواقعة على الطريق المؤدي الى الحدود مع سوريا، كما يقول المحلاوي.
الصراع على الحدود العراقية – السورية بين الولايات المتحدة وإيران ما زال في بدايته، والحديث عن الحدود بين نينوى وسوريا مرتبط بانتهاء المعارك في الموصل التي تبدو ستأخذ بعض الوقت وبعدها في بلدة تلعفر التي يقطنها تركمان شيعة وسنة.
وترفض تركيا مشاركة قوات الحشد في المعارك غرب نينوى، كما أن قوات البيشمركة التي تسيطر على المعابر الحدودية هناك ليست حليفا قويا لقوات الحشد، وربما يندلع صدام مسلح بين الطرفين كما جرى في بلدة طوخورماتو شمال صلاح الدين.
أما المعركة من اجل الحدود في الانبار ما زالت في بدايتها وستكون اشد صعوبة خلال الأسابيع القليلة المقبلة خصوصا عندما تقترب المعركة من القائم تلك المدينة التي تمثل عاصمة سرية لقادة تنظيم الدولة المتشدد، ولم تتعرض لأي عملية عسكرية برية منذ عامين.
اختار تنظيم الدولة مدينة القائم لتكون المقر السري لقادته، وفيها يوجد اكبر مصانعه للعبوات الناسفة، ويتم استقبال المتطوعين الى صفوفه من جميع أنحاء العالم هناك، وتحوي أهم معسكرات التدريب، وفي هذه المدينة يعقد قادة تنظيم الدولة في العراق وسوريا اجتماعات دورية لمناقشة أوضاع دولتهم، كما يقول ضابط كبير في قوات الجيش غرب الانبار.
ويضيف لـ “نقاش” أن “المعركة لتحرير بلدتي عانة وراوة تبدو سهلة، ولكن المشكلة الحقيقية ستكون في القائم، ونتوقع أن يدافع المتطرفون عنها بشراسة بنفس الطريقة التي يقومون بها الآن في الموصل”.
التنافس بين إيران والولايات المتحدة على الحدود العراقية – السورية سيكون شديدا بعد معركة الموصل، وسيستخدم كل طرف حلفاءه المحليين في هذا التنافس، تستخدم إيران حلفاءها من الفصائل الشيعية، بينما تستخدم الولايات المتحدة حلفاءها من مقاتلي العشائر السنية، ولكن الشيء المؤكد أن حماية هذه الحدود هو مفتاح انتصار العراقيين على تنظيم الدولة المتشدد.