محمد صالح البدراني يكتب: في طريق الوحدة
” ما نعرفه عن الإسلام لن يصل بنا الى حقيقته “
” رفع البعض كلمة المدنية كانتماء نكاية بمن زعم الدين “
” العربية لم تعد لقوم وإنما هي لغة القرآن ولغة ثقافة “
” الإسلام يحمل لواء ثقافة الأمة “
إسلامية، قومية، علمانية، مدنية، إسلاموية؛ طائفية، عنصرية، كلمات تتكرر على مسامعنا، لكن واقعها أغلبها لم ترتق فعليا لدرجة المصطلح ناهيك عن المفهوم، فالإسلام يحتاج لنعرفه الكثير فما نعرفه عن الإسلام لن يصل بنا الى حقيقته وما نتعامل به محض طقوس ومعلومات نقلية وانطباعات ولا دخل له عمليا في الحياة، ومن ينادي به يزيد عماء الجهل جهلا بسلوكيات غريبة ومفاهيم منقولة تردد كالببغاء لا تطابق القرآن احيانا كثيرة، بل حتى المسميات القرآنية ومفاهيمه باتت غريبة او تقرأ لتنسى.
فهم نقلي مشوه فحينما يخاطب القرآن القلب ـــــــــ مثلا ـــــــــ على انه مركز التفكير فهو لا يعني المضخة التي في الجوف وانما يعني صدر الإنسان، أي مقدمته لغة وهي الناصية مركز القرار، والمنظومة العقلية التابعة في الدماغ، في حين اننا نقول عقلا ونجمعها عقول، والعقل فعل وليس اسما، وإنما نقلت لنا عن طريق اختلاط الفلسفة اليونانية التي تتصور أن الدماغ حشوة الرأس ومصطلحاتها في أواخر الدولة الاموية والحقبة الاولى من العصر العباسي، واستمر التقليد والشرح على الشرح حتى يومنا هذا.
القومية
أما القومية فباتت شعارات ترفع في المناسبات أو عنصر لتفرقة وتمايز ترتقيه مصالح أفراد وجماعات وتعامل يناقض الآدمية في السلوك مع الآخر المتشابه معك في كل شيء يملكه إلا بالقومية التي لست من حدد انتمائك لها بل الله خلقك عربياً أو كردياً أو تركياً أو جرمانياً، وما لك فيه إرادة ، عبارة ربما رددها عدة مرات الرئيس مسعود برزاني في لقاءاته التلفزيونية، إما تكون بهذا المعتقد او ذاك مسيحياً مسلماً يهودياً بوذياً، فهذا أمر معتقد لا علاقة للآخرين به إلا بقدر إدخالك له في سلوكيتك في المجتمع وهذا يتوقف على فهمك لأصوله وحقيقته.
المدنية ليست فكراً ولا ضد الدين
وفي الفترة الأخيرة رفع البعض كلمة المدنية كإنتماء نكاية بمن زعم الدين، ولكن المدنية ليست فكراً فهي كمصطلح عالمي تعني تراكم الجهد البشري في مخرجاته لإعمار الأرض وهي ملك عام ليس لفئة وانما يصب الجهد البشري فيها، (فهي ليست مصطلح مقابل للدين او ضد الدين ومن تصور هذا فلجهله) لا يبرر هذا رد فعل ضد من يزعم انه ينتمي لدين او حزب يدعي انه يمثل الدين، هذا نوع من التداعي الغير موجه المضر بهوية الامة وان كان من غير قصد، خصوصا وان لا تطبيق حقيقي إسلامي في واقعنا وليس بالضرورة انك حين تطبق الإسلام ان تضع اسمه، فالإسلام ليس عنواناً او شعاراً بل هو قيم تطبق تجمع كل هؤلاء المختلفين، الغاية الرئيسة في الإسلام هي العدل فان أقمت العدل واحترمت الكرامة الآدمية والعيش الكريم أقمت الإسلام وليس من داع للتسميات، والعدل سلوك لقيمة أخلاقية، أن تعطي الناس جواً من حق الإختيار ليكون الإنسان مالك لأهليته يحاسب على خياره من الله وليس من عباد الله، وأن حساب الناس والسلطة للإنسان على قدر تأثيره على الناس بما يخالف القانون الذي ينبغي أن يحقق العدل ويطبق بالمساواة.
الغرض من هذا الكلام، أن كل هذه الدعوات ليست متضاربة في إقامة حياة طبيعية، فالعربية لم تعد لقوم وإنما هي لغة القرآن ولغة ثقافة أمة يشترك بها المسلم وغير المسلم ويضع بصماته في الرقي الحياتي والتطور للامة، والمدنية هي جهد الناس في تشكيل حياتهم وتراكم متصالح مع جهد عالمي في المخرجات من صناعة وعلم وقيم حياتية وتطبيقات للإرتقاء بالإنسان وأدائه، والإسلام بمفاهيمه القرآنية وما ورد في السيرة والحديث هو أيضا ليس ملكاً لشعب أو لمن يسمى المسلمون وهم يجهلونه وإنما هو قيم ترتقي بالإنسان ومنهج حياة ممكن أن يسير عليه أي انسان في أي زمان ومكان متى ما كان واضحا فعلا عند من يقدمونه للناس أو يفترض أن يتعلمونه على حقيقته وأصله، لكن أمة أول كلمة نزلت عليها اقرأ لم تعد تقرأ أو تتم مقالا كهذا بفهم بناء فكري يقود الواقع.
من أجل هذا فمجتمع متعدد يجمعه فكر وقيم مفتوحة ليست من إنتاج أحد وانما هي رسالة رب العالمين، المهم اثرك في هذا المجتمع وأن لا تثير الفتنة أو تناقش الأمور بغير مكانها ولغير ناسها فيفهمها الجاهل بغير أصلها فتتحول إلى فتنة واجتهادات من هوى النفس او العصبيات.
إن الاسلام وهو يحمل لواء ثقافة الأمة والتي لم يبن فيها المسلمون وحدهم لابد أن يفهم من المسلمين وغيرهم على حقيقته وأصله وليس ما نقل عبر التاريخ المليء بالصراعات والمتناقضات، وأن يصطف الكل لبناء حياة كريمة وعيش كريم وليس تعايشاً ومجاملة وإنما عيش تحترم فيه الخصوصيات ويركز فيه على العام لبناء كينونة ونموذجا يمثل الهوية.