رمضان حمزة يكتب: الملف المائي الشائك في منطقة الشرق الأوسط في الصحافة ووسائل الإعلام

الملف المائي في منطقة الشرق الأوسط يمرُ في منعطفات السياسة والأزمات والصراعات التي تؤدي بدروها الى الحروب لعدم وجود إرادة سياسية للبدء بالمعالجة الجدية والعملية لهذا الملف الشائك سواء داخلياً او العمل مع دول الجوار المائي وتحريك هذا الملف الحيوي لإدامة الحياة وضمان إستقرار دول المنطقة من كافة النواحي والجوانب، بل أصبحت تغطية أحداث ندرة المياه والجفاف والفيضانات والسيول ومشاكل السدود وأزمات المياه هي التي تشغل المساحة الخبرية وبناء الصورالإعلامية عنها، وتأطير أحداثها، بشكل دراماتيكي وبالتالي تأثيرها في الرأي العام، في مختلف وسائل الإعلام سواء المرئية منها او المقروءة أوالمسموعة، وكلّ يعبّرعن توجّه وخطّ سياسيّ معيّن مؤيّد أو معارض أو منحاز أو محايد.


أنَّ وسائل الإعلام تعتير أداة مهمة لعرض المشاكل المائية وتغيرات المناخ بغية إيجاد حلول ومعالجة لهذه المشاكل وسبل التكييف مع تغيرات الماخ، ولكن هناك بعض وسائل الإعلام تعمل بهدف خدمة مصالح دولة معينة وأجنداتها السياسية على حساب المصالح المشتركة، وأنَّها تقوم بـاظهار المشكلة من طرف واحد وتعمل على”صناعة الحماس” بين أوساط المجتمع لتبنى حلول قد تؤدي الى عمليات عسكرية دون الإنتباه الى عواقب تلك الحماس والإنفعالات العاطفية.


ومع ذلك لا ينكر وجود وسائل إعلام حرة وملتزمة، وتحمل قضية المياه كأزمة إنسانية وتتحمل مسؤولية ذلك أخلاقيا ومهنيا في آن واحد، كما تحمل موقفاً ثابتاً، وخصوصاً في ما يخصّ بضمان ” حق الإنسان في المياه”.


إن وجود هذا الكمّ الهائل من القنوات الفضائية العربية لا يزال لم تستطيع أن تكون انعكاساً واضحاً لعمق هذه المشكلة والتي سيكون لها تأثيرات سلبية جداً على معظم مناحي الحياة والبيئة والتنوع الإحيائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الآن ومستقبلاً، ويتطلب من الإعلام العربي بالذات أخذ المسار الصّحيح والعمل على طرح الحلول أكثر من عرض المشكلة لتحقَّق نوع من التوازن الموضوعي في طرح الخبر الإعلامي بعيداً عن التهويل الإعلامي المرعب، كما لاحظنا في السنوات الماضية أثناء تغطيتهم لمشكلة سد الموصل ووصفه بالسد الأخطر في العالم وفي المقابل لم يتطرق الحديث الى سد “أتاتورك” الذي تقدر طاقته الخزنية اكثر من أربع اضعاف خزين سد الموصل والذي يعاني من من مشكلتين هما في غاية الخطورة اولها وجوده بخزين كبير جدا يقارب 48 مليار متر مكعب من المياه في منطقة نشطة زلزالياً كونه قريب جدا من منطقة تقاطع فالقين او صدعين في هضبة الأناضول واكتشاف صدع لايبعد سوى عدة كليومترات من موقع السد، والثانية هي مشكلة تسرب المياه ” النزيز” من أسس السد كما في سد الموصل ولكن بمقياس أقل ، مما يجعل سد أتاتورك هو الأخطر في العالم وليس سد الموصل ، وهذا ما دفع سلطة المياه التركية بتخفيض الخزين الى نصف الخزين التصميمي اي بحدود (23-25) مليار مترمكعب بدلا من الخزين التصميمي البالغ (48 ) مليار متر مكعب ، ولكن لعدم تسليط الضوء الإعلامي على هذه النقاط أصبح سد الموصل في صدارة نشرات الاخبارووسائل الإعلام كسد سينهار ويعرض حياة الملايين للخطر دون طرح حالة السدود في دولة المنبع وكيف سيكون تاثيرها على دول المصب إذا انهارت لاي سبب من الأسباب مثلاً.


ومن ناحية نرى ان يتم طرح إحتياجات دول المصب من المياه ورغبة دول المنبع في التنمية والإستثمار، بمهنية وشفافية حتى لا يتمّ تكريس وتعميق المشكلة والشعور بالإحباط، من خلال التركيزعلى حرمان دول المصب من حصصها المائية فحسب، وبالتالي تعرض الأمن المائي والغذائي لهذه الدول الى مرحلة خطيرة تكون نذيرة بالفقر والمجاعة، بل أن تبعث الأمل بطرح الحلول العلمية والقانونية والاقتصادية لجذب إنتباه السياسيين الى آفاق ومجالات أخرى أوسع من أجندتهم السياسية الضيقة الأفق، وبالتالي عدم حصر الملف المائي بايدي السياسيين والاحزاب الحاكمة فقط بل جعلها قضية مجتمع باكملة، لأن المياه قضية حياة او موت ولاتقبل اللون الرمادي الذي يسب الفقر والمرض ومشاكل جمة. سيما والمنطقة تقع جغرافياً في المنطقة القاحلة وشبه القاحلة ولتغييرات المناخ عليها آثار مضاعفة.

وإذا ما أستمرت دفة السياسة هي التي توجه بوصلة المصالح فانها ستسبب في زيادة حالة الإنقسام والتباين بين من يقبل بـ”الأمر الواقع” ولا ينتظر توقّيع اتفاقيات ملزمة لضمان حقوقه المائية، (حالة نهري دجلة والفرات) ومن يرفض هذا الواقع ويراه تهرب من تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم ادراة الأحواض المائية المشتركة ويرفض، بطبيعة الحال إستمرار الحالة والإنفراد بالقرار دون مشاورة بين الدول ودون الإتفاق على حصص عادلة ومنصفة للجميع في اعالي النهر دول “المنبع” ودول “المصب”، (حالة نهر النيل)، وكذا الحال ينطبق على الداخل وكيفية إدارة ملف المياه بتحديث البنى التحتية لمشاريع المياه لكافة القطاعات والتوجه الى الطرق الحديثة في نظم الري واستخدام تكنواوجيا التحكم عن بعد في الري وتشغيل المنشآت الهيدروليكية وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *