تأزّم العلاقات بين تركيا وإيران .. العراق نقطة توتر جديدة
عراقيون/متابعة/ تتراوحُ العلاقات التركية الإيرانية بين التعاون والتنافس، ففي السنوات الأخيرة بدأ التركيز أكثر على التعاون. لقد وجدت الدولتان أرضيةً مشتركةً في معارضة جهود السعودية تعزيز نفوذها في محيطها الحيوي العربي والأبعد قليلا.
لكنّ التزام أنقرة والرياض الآن ومعه مجلس التعاون الخليجي بتحسين علاقتهما، جعل التعاون الإيراني التركي أقل ضرورةً، ودفع بالعلاقات نحو مزيد من التوتر، ولاسيما مع تراجع التجارة الثنائية بين الطرفين بنسبة 50%.
مع العودة قليلا إلى الوراء، عارضت إيران بشدّة فيما سبق محاولة الانقلاب العسكري في تركيا في عام 2016. وانتقدت تركيا بدورها الاحتجاجات في إيران في عام 2018، وفي العراق في عام 2019. في ذات الوقت، تركز تركيا بشكل متزايد على المناطق التي تعتبرها إيران ضمن مجال نفوذها، وهي خطوة تغذي الخصومات بين الطرفين.
رغم حفاظ إيران وتركيا على علاقات متوازنة خصوصًا تجاه الكُرد، لكنّ التدخل التركي في العراق أثار التوتر بين الدولتين رغم التنسيق بينها.
ملف العراق يثير التوتر بين البلدين
استدعت كل من تركيا وإيران سفير الدولة الأخرى لديها الأحد 28 فبراير، وفق ما أفادت وسائل إعلام البلدين الرسمية، في تصعيد للخلاف المرتبط بالتواجد التركي في العراق. ورغم أن تركيا وإيران بلدان خصمان في مناطق عدة في الشرق الأوسط ووسط آسيا، إلا أنهما نفّذتا عمليات ضد مقاتلين أكراد من تنظيم حزب العمال الكردستاني في شمال إقليم كردستان.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، اتّهمت تركيا مسلّحين أكرادًا بقتل 12 تركيا وعراقيًا واحدًا كانوا محتجزين كرهائن في شمال العراق.
دفعت الحادثة السفير الإيراني لدى بغداد “إيرج مسجدي” للتحذير بأنّ على القوات التركية ألا “تشكّل تهديدًا أو تنتهك الأراضي العراقية”.
وقال مسجدي في مقابلة تم بثها مع شبكة راوود الكردية يوم السبت الفائت “لا نقبل إطلاقًا بأن تتدخل تركيا أو أي دولة أخرى في العراق عسكريًا أو أن تتقدّم وتحظى بوجود عسكري في العراق”.
ردًا على ذلك، سارع سفير تركيا لدى بغداد فاتح يلدز للقول عبر تويتر، “إن السفير الإيراني “آخر شخص يحق له إعطاء تركيا دروسًا” بشأن احترام حدود العراق”.
واستدعى مسؤولون في الخارجية التركية السفير الإيراني “محمد فرازمند” لإبلاغه بأن تركيا تتوقع من إيران بأن تقف إلى جانبها في “الحرب على الإرهاب”، وفق ما أفادت وكالة أنباء الأناضول الرسمية، وذلك في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني المحظور.
أبلغ المسؤولون السفير بأن تركيا “ترفض تمامًا” تصريحات مسجدي، مشددين على أن أنقرة تبلغ على الدوام الجهات المعنية، بما في ذلك بغداد، بخططها استهداف المسلحين. ونفّذت تركيا عدة ضربات جوية استهدفت قواعد تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق بما في ذلك في قنديل وسنجار.
في المقابل، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفير أنقرة لدى طهران على خلفية تصريحات أدلى بها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بشأن تواجد المسلّحين الأكراد في إيران، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
إلى ذلك، دعا رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، ممثلي البعثات الدبلوماسية إلى عدم التدخل في شؤون العراق، وذلك عقب السجال بين السفير الإيراني والتركي، بشأن الوجود الأجنبي في العراق.
عبر التويتر، كتب الحلبوسي في وقت متأخر من مساء السبت: “ممثلو البعثات الدبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين، فعلى بعض ممثلي تلك البعثات أن يعي جيدًا واجباته، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ويحترم سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل”.
تصاعدت الاشتباكات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني مؤخرًا، شمالي العراق، موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توسيع العمليات خارج الحدود ضد “المسلحين الأكراد”.
لقد قصفت تركيا منطقة جبلية قريبة من سنجار الشهر الماضي، بينما حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن بلاده على استعداد للتحرّك عسكريًا للتخلص من “الإرهابيين” في المنطقة.
بيد أن السفير الإيراني في بغداد ندد بالخطط التركية قائلًا “ما علاقة سنجار بتركيا؟ على العراقيين حل المسألة بأنفسهم”.
وسبق، أن أشار صويلو الأسبوع الماضي إلى أن هناك “525 إرهابيًا” في إيران، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد.
وأفادت “إرنا” أن المسؤولين الإيرانيين شددوا على أن تصريحاته غير مقبولة وتتعارض مع جهود البلدين للتعاون.
توتر سابق
توترت العلاقات بين طهران وأنقرة لفترة من الزمن بعد إلقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قصيدة “أرس” في باكو، حيث وصفت إيران إلقاء هذا الشعر بأنه “مساس بسلامة أراضيها”.
قامت وسائل الإعلام الحكومية التركية، مؤخرًا، بتغطية الاغتيالات السياسية لعملاء إيران على الأراضي التركية، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الجانبين أكثر وأكثر.
في وقت سابق من فبراير، أعلنت وسائل إعلام تركية ، اعتقال دبلوماسي إيراني في اسطنبول.
وبحسب تقارير نقلت عن السلطات التركية، فإن الاعتقال مرتبط باغتيال المعارض الإيراني مسعود وردنجاني في اسطنبول عام 2019، ووصفت طهران التقارير بأنها “لا أساس لها”، ونفت اعتقال أي مسؤول.
عملية الاعتقال كانت جزءًا من موقف أكثر صرامة لقوات الأمن التركية تجاه الأنشطة الإيرانية. ففي ديسمبر، عرضت الشرطة التركية أمام كاميرات التليفزيون عناصر من شبكة تجسس إيرانية مزعومة مرتبطة بخطف المعارض والناشط العربي حبيب شعب.
عادة، ما يتم تنفيذ الاعتقالات الدبلوماسية الحساسة خارج مرأى ومسمع الجمهور،ومع ذلك، وفق موقع فويس أوف أميركا إن أنقرة ترسل رسالة بشأن الاعتقالات البارزة، وهو مظهر من مظاهر فترة جديدة في العلاقة التركية الإيرانية”.
وعلى خط الجبهة الآذربيجانية الارمينية، أدى الدعم التركي القوي لأذربيجان إلى هزيمة القوات الأرمينية في المعركة على منطقة ناغورنو كارباخ المتنازع عليها في أذربيجان، ويخشى الإيرانيون من النفوذ التركي في القوقاز وآسيا الوسطى”.
تراجع التجارة الثنائية بين الطرفين بنسبة 50% في 2019
على المستوى الاقتصادي، تسببت العقوبات الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران في أواخر عام 2018 بتراجع حجم التجارة الثنائية بين تركيا وإيران من حوالي 10.7 مليارات دولار في عام 2017 إلى 5.6 مليارات دولار فقط في عام 2019، أي بنسبة 50 في المئة.
يُعزى ذلك إلى القرار الذي اتخذته تركيا بوقف استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية من إيران بعدما امتنعت الولايات المتحدة عن تجديد الإعفاءات الخاصة من التقيّد بالعقوبات الممنوحة لتركيا وبلدان أخرى، علماً بأن النفط الخام والمنتجات النفطية كانت تشكّل جزءاً كبيراً من الواردات التركية من طهران.
لقد تراجعت حصة النفط الخام والمنتجات النفطية في الواردات التركية من إيران تراجعت بنسبة 63 في المئة، انخفض الفائض في الميزان التجاري الذي كان يُسجَّل لمصلحة إيران، بنسبة 79 في المئة.
إيران .. علاقة معقدة مع الأكراد
الوجود العسكري لتركيا في شمال إقليم كردستان حقيقة تجعل إيران قلقة، إذ تسيطر القوات التركية بالفعل على مساحة كبيرة من المنطقة الحدودية الجبلية في شمال الإقليم ضمن الحملة المستمرة لإزالة قواعد حزب العمال الكردستاني.
ويوجد لدى حزب العمال الكردستاني منظمة منظمة مقرها في إيران معروفة باسم حزب الحياة الحرة الكردستاني.
ووفق محللين فإنّ لطهران علاقة معقدة مع المسلحين الأكراد، فإيران لا تجد مصلحة في اتساع دور حزب العمال الكردستاني لكن مصلحتها تتمثل في دور إقليمي محدود للحزب وهو ما سيزعج تركيا، ويقوض من نفوذها في المنطقة.
تمتلك الدولتان تاريخًا طويلًا من التعاون والمنافسة، مع تباين المصالح الإيرانية التركية، يُتوقع أن يكون التنافس حاضرًا بدلا من التعاون كوسيلة لتحديد العلاقة بين البلدين.
●الإتحاد برس