سرمد كوكب الجميل يكتب:لا شيء يصنع في العراق
عرض على شاشة قناة الجزيرة الوثائقية فلما وثائقيا بعنوان لا شيء يصنع في العراق واعيد عرضه مرات عديدة وذهب الفلم الى معظم مناطق العراق ليبحث عن صناعة ما… وبعدها اتجه الى الدول المصدرة للعراق ومنها تركيا وايران والصين وانتهى بنتيجة ” لا شيء يصنع في العراق”.
نعم الان لا شيء يصنع ولكن هناك من يقول كان العراق مصنعا وانتهت صناعته في العقدين الاخيرين نعم كانت هناك صناعة في العراق فقد كانت يدوية بدائية واستمرت لغاية الاربعينات من القرن الماضي وما ان جاءت الخمسينات الا ونشطت الصناعة واستمرت لغاية نهاية السبعينات لتبدا مرحلة الانحدار لغاية ٢٠٠٣ .
ان من اهم ما يميز الصناعة في العراق انها تجميعية ليست تكاملية معظمها حكومية وهناك قطاع خاص بسيط ويمكن ان يصنف بالاعمال الصناعية الصغيرة فالنسيجية تستورد الخيوط ويتم النسيج في العراق والكهربائية تستورد الاجزاء وتجمع وفي الغذائية تستورد المواد الاولية وتقطع وتعبا فقط ولم يتم التركيز على النوعية بل كان التركيز على شعارات المبادئ الايديولوجية التي تبنتها الحكومة ” الاشتراكية: من لا ينتج لا ياكل” ولهذا ما ان فرض الحصار على العراق الا وتوقفت معظمها بسبب وقف الاستيراد.
قد لا يوافقني البعض الراي ويستطرد البعض بذكر مناقب ما قبل ٢٠٠٣ في الصناعة ويتناسون حقيقة مفادها لو كنا دولة صناعة لما انتهت صناعتنا منذ ١٩٩٠ .
ان بناء قاعدةصناعية لا بد ان تعتمد على صيغ من التكاملات الاستراتيجية القبلية والبعدية وهذا ما تبنته حكومات ما قبل ١٩٥٨ حيث السكر تكامل مع زراعة البنجر السكري والنسيج تكامل مع الغزل ومن قبله زراعة القطن والزيوت النباتية ومن قبلها برامج زهرة الشمس وحب القطن والكتان والالبان ومن قبلها حقول تربية الابقار وانتاج الحليب ومن قبلها العلف وهذا ما اعتمدته شركة نستله السويسرية في الصين في عقد التسعينات وهكذا فيما غابت هذه النظرة التكاملية عن صناعة السبعينات وما بعدها فكانت صناعة يتيمة ما ان شنت الحروب وفرض الحصار الا وانهارت وتوقف معظمها.
روى لي احد الصناعيين المخضرمين رحمه الله وقال ” ان صناعة القطاع الخاص في العراق لم تكن لولا الدعم الحكومي في كل مفاصلها ومنذ بداية الخمسينات وانها تعتمد على الخبرات والمهارات البشرية ” نعم كان العراق بعدة ملايين ولم يفكروا بعيدا والعراق اليوم ٤٠ مليون وانه في غضون سنوات سيتجاوز الخمسين مليون وعلى الرغم من تعاطف الكثير من الناس والحنين للماضي ما زال يؤرقهم الا ان الامر قد انتهى اليوم وضاعت اخر حلقات الصناعة من الناس الرياديين والخبراء والمهاريين ويبدو فعلا ” لا شيء يصنع في العراق ” ويبدو لي من الافضل البحث عن مسار اخر غير الصناعة بعد التطورات الكبيرة التي شهدها العالم في السنوات الاخيرة والتوجهات الحثيثة لما بعد عصر الصناعة التي يقودها الشباب المبدعين في العالم وبلدنا زاخر بفئة الشباب وما يحتاجونه هو التوجيه والدعم ولكن في ظل غياب كامل لرؤية تنموية مستقبلية يصبح حديثنا هشيما تذروه الرياح.