سعد سعيد الديوه جي يكتب … لا جذور للإرهاب في القرآن ـــ نظرة إستشراقية ـــ
يعتقد كثير من المسلمين ان معظم المستشرقين لهم موقف عدائي من الاسلام وعقائده مثل مونتجمري واط، والحقيقة هي ليست كذلك، فكثير منهم كان موقفه حيادياً، ومنهم من وصل به الأمر لحد الإعجاب بالتاريخ الاسلامي والمجتمعات المسلمة، مثل سير. ت. و. ارنولد في كتابه “الدعوة الى الاسلام” الذي صدر عام 1896م في الهند.
وعنوان المقال هو لفصل من كتاب “العالم بعد 11 – ايلول”، لأفغيتي بريماكوف (ت.2015)، والذي كان وزيراً لخارجية روسيا ثم رئيساً لوزرائها (1998-1999)، وهو أحد المستشارين الدوليين للرئيس الروسي بوتين، ناهيك انه في زمن الاتحاد السوفيتي عمل في منطقة الشرق الأوسط كمراسل صحفي لصحيفة برافدا الشهيرة ثم مسؤولاً لوكالة تاس الاخبارية السوفيتية في لبنان ثم رئيساً لمكافحة التجسس في الإتحاد السوفيتي السابق، وله معرفة عميقة بشؤون منطقة الشرق الاوسط، ويعد مستشرقاً بارزاً وعضوا ًًَفي الأكاديمية الروسية للعلوم و يحمل شهاده الدكتوراه في الإقتصاد.
والحقيقة ان الكتاب جاء بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م التي هزت الولايات المتحدة والعالم قاطبة كعمل إرهابي ليس له مثيل في التاريخ!.
ويشير السيد بريماكوف بحكم خبرته الطويلة في عالم التجسس، بان هذه العملية لم تكن من عمل هواة، وانها عملية معقدة احتاجت لفترة طويلة لا تقل عن سنتين من التدريب والتحضير و توفير المال و درجة عالية من التخصص وتوفير المال، ولذلك فان حصرها بدوافع عقائدية إسلاموية هو الخطل بعينه!.
ويشير السيد بريماكوف بأن هنالك موجة عارمة مناوئة للإسلام في الغرب قبل أحداث أيلول وتفاقمت بعدها على شكل كتب ونشرات وأخبار ملفقة، حتى صار الحجاب الاسلامي كأحد اسلحه الدمار الشامل، ومن اكثر الكتب التي لاقت رواجا في هذا المجال وعلى مستويات ثقافية عالية كتاب “صِدام الحضارات – إعادة صنع النظام العالمي”، لصامويل هنتجتون الذي يقول فيه بأن حدود العالم الإسلامي محاطة بالدماء، وجعل صِدام الحضارات واقعاً حتمياً لا مناص منه، وان العالم في حال صِدام حضاري على أساس ديني اكثر منه سياسياً واقتصادياً ولا يخفي هنتجتون في كتابه آنف الذكر عدائه الظاهر والباطن للإسلام والمسلمين، والذي يمثل به اقصى درجات اليمين المتطرف، ولا يتفق السيد بريماكوف مع هذا الطرح.
ولذلك صار يطرح نظرية تعدد الاقطاب وأن التاريخ يعلمنا أن تطور الإنسانية لم يحدث جراء غلبة حضارة على اخرى ولا على أساس ديني أو غيره بل عن طريق تعايش الحضارات وتفاعلها وبتأثير بعضها في البعض الآخر وتلاقحها ومنها الحضارة العربية الإسلامية التي صارت رمزاً لنماذج إرهابية مزورة في عقول اليمين الغربي المتطرف وبعض حركات اليسار المتشددة، رغم ان الحضارة العربية – الإسلامية تكاد تكون الاكثر تفاعلاً بخلفيتها الدينية مع الحضارات التي احتكت معها وعايشتها.
ويستعرض السيد بريماكوف تأثير القرآن الكريم على السمات الحضارية لهذه الحضارة من خلال نظرته الخاصة وذلك لكون القرآن الكريم هو المصدر الأساسي للحضارة العربية الاسلامية، فيقول بأن القرآن لا يشكك ولا يلغي وجود انبياء بعثهم الله يهوداً او مسيحيين (ونحن هنا ننقل النصوص كما وردت في كتاب السيد بريماكوف لا كما نعتقد به كمسلمين)، وهو يقصد الاعتراف الضمني للقرآن بالآخر وبعقيدته.
ان عملية تزوير المعتقد الإسلامي في الفكر الغربي عملية مقصودة، كما يشير لذلك السيد بريماكوف، فيقول ان الترجمات المبكرة الى اللغات الأجنبية تعمدت ترجمة كلمة “الله” الى كلمه “الرب”، وهذا ما قد يثير انطباعاً بأن المسلمين “رباً” آخر خاصاً بهم، بينما يهمل معظم الذين يكتبون عن القرآن او يترجمون معانيه قوله تعالى (وَلَا تُجَٰدِلُواْ أَهلَ ٱلكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنهُم وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَينَا وَأُنزِلَ إِلَيكُم وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُم وَٰحِد وَنَحنُ لَهُۥ مُسلِمُونَ)(46 العنكبوت)، ومصطلح “اهل الكتاب” يدل على احترام الآخر واعتراف به كما اشرنا لذلك.
ويأخذ السيد بريماكوف جانباً آخراً من تأثير القرآن على مسيرة الحضارات العالمية كونه كتاب تبشيرياً لا يخص جنس معين من البشر، ويذكر اسماء قسم من العلماء المسلمين الذين ساهموا في مسيرة الحضارة العالمية، وكيف صاروا جسراً لنقل الحضارات السابقة من خلال الترجمة والابداع في كافة الاعمال الانسانية والطبيعية.
ويتنقل السيد بريماكوف بين جوانب عديدة لا يمكن حصرها في مجال صغير فيلمح بأن المتطرفين المسلمين ونظراً لرغبتهم المتعصبة في اخضاع العالم الاسلامي الى أفكارهم وجعلها حقائق مقدسة الى القرآن، او بعبارة أدق الى تأويل انفرادي متزمت لكتاب الاسلام المقدس هذا، قد اساءوا الى الفكر الاسلامي ولا يمثلون الأغلبية.
ويقول بأن القرآن يُعلم المسلم بأنه يجب عدم المساس بالمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ العزل في حالة الحروب كما ينبغي للمسلمين أن لا يغدروا ولا يُمثلوا … الخ، ويستشهد بالآية الكريمة (وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ
يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ)(190 البقرة)، هذه الآية تشدد على السمة الدفاعية الخالصة في الحروب القائمة، بحسب مبادئ القرآن وذلك في تأكيدها على الامتناع عن الاعتداء.
ويشير السيد بريماكوف الى مسألة في غاية الأهمية الا وهي ان انتشار الاسلام قد تم بسرعه مذهلة وبلا عنف اجمالاً، وهي ظاهرة فريدة من نوعها حيث تم فتح بلاد ما بين النهرين والشام وفلسطين وما وراء القوقاز وارض ايران الحالية ومصر وبلاد المغرب وصولا الى تخوم الصين وبلاد الأندلس وشواطئ الاطلسي و مساقط مياه النيل في اقل من نصف قرن، واستطاع المسلمون هزيمه الإمبراطورية البيزنطية والقضاء تماما على الإمبراطورية الساسانية، حيث كان من العوامل المساعدة لهذه العملية دخول أقوام البلاد المفتوحة طواعية في الإسلام وبأعداد غفيرة.
واستناداً الى دراسة قام بها المستشرق “اي ماسيه” يقول السيد بريماكوف “غالباً ما كانت الارضية مهيأة للفتح، بفضل الفتن الداخلية فكان أقباط مصر والشاميون سعداء أيما سعادة بكسر البيزنطينيين، فأستقبلوا العرب بما يشبه استقبال المحررين اذا جاز القول، ففي ايران واسبانيا كان الحكام غرباء ايضاً عن الشعب، وكان العرب يكتفون بإجراء بعض التغييرات التي تخفف بعض الشيء من وطأة الجهاز الاداري الذي يرهق الناس بلا فكاك”.
ويقول المستشرق السوفييتي البارز “إي. أي بيلياييف (E.A.Beliaiev)”، “جاء العرب بشروط حياة اخرى اكثر رحمة بأولئك الذين رضوا بهيمنتم، ومن ثم لم تواجههم اغلب الشعوب المفتوحة بأية مقاومة بل تحالفت معهم على الاغلب، ومثال على ذلك الجزية فلم تكن ترهق كاهلهم وكانت قليلة جداً تعفيهم من الخدمة العسكرية ويعفى منها الشيوخ والمعوقون.
تخطئ اذا التصورات القائلة باعتناق جميع الشعوب المفتوحة للإسلام اعتناقاً قسرياً، فإعتناق غالبية المصريين للإسلام إمتد على اربعه قرون ومازال عدد لا يستهان به من المسيحيين الأقباط على دينهم حتى يومنا هذا.
كل هذا يبين سماحه الاسلام النسبية، وهي سماحة مجسدة عملياً اكثر منها نظرياً، ونفس الحال يسري على اليهود، اي حتى هجرتهم الى اسرائيل في منتصف القرن الماضي بدوافع استعمارية خارجية.
وأكد السيد بريماكوف ان الاسلام احد اديان العالم الذي تتزايد اعداد اتباعه بوتيرة متسارعة نسبياً من دون اللجوء الى الإكراه.
ويشير كذلك الى نقطة جوهرية في التاريخ الاسلامي على عكس هينتنجون فيقول “بوسعنا المضي الى القول ان تاريخ الاسلام بالإجمال ربما كان اقل دموية مثلاً من تاريخ الكاثوليكية، فالإسلام لم يحرق نفوساً حرة على اخشاب محاكم التفتيش.
من ناحيه اخرى وابتداءً من القرن الحادي عشر، شرع الصليبيون بسلسلة محاولات لتحرير القدس والارض المقدسة من المسلمين بالسيف والنار، وما ان استولوا على القدس اول مرة حتى ذُبح في غضون يومين قرابه أربعين الف مسلم في المدينة التي كان يتعايش فيها بسلام حتى ذلك الحين مسلمون ويهود ومسيحيون تحت الهيمنة الاسلامية، ولكن لا يخطر على بال احد ابداً اتهام المسيحية كديانة بتمجيد الوحشية والإرهاب، بل ان المسيحيين الارثوذكس او مسيحيي الشرق كانوا قد نجحوا في التعايش منذ ذلك الوقت بسلام على وجه العموم مع المسلمين، وطبعاً ليس من دون بعض الصِدامات.
هذه بعض آراء السيد بريماكوف نقلناها كما جاءت والتي نعتقد انها صالحة لتقليل او إلغاء حالة العداء التي يؤججها عمداً بعض المستشرقين خدمة لأغراض سياسية واستعمارية ويتبناها قسم من المسلمين على انها تمثل آراء كل الفئات الأخرى من المسيحيين وحتى اليهود، وان المسألة ليست بهذه العمومية مطلقاً.
ونريد ان نؤكد للمرة الثانية أن النصوص الواردة تمثل رأي السيد بريماكوف سواءاً أقبلنا ببعضها أم لم نقبل، فيجب الإصغاء لكل الآراء في سبيل حوار هادف يخدم المجتمع الانساني قاطبةً.