محمد صالح البدراني يكتب : نحن والغرب.. عقدة بروك الجمل
الفكرة
مهما تطور الانسان مدنيا يبقى اسير الانطباعات الثابتة التي لا تحركها الضرورة او أي سبب موجب؛ فالغرب انتقل الى التمدن في عملية جراحية مزدوجة عقديا ومدنيا، فلما لم يجد التوافق عطل الدين لكن لم يعطل الذاكرة التاريخية التي رافقت سلطة الدين ومنها انطباعاته عن تاريخ الحروب سواء كانت الفتوحات، او حروب الفرنجة التي يسميها الغرب الحروب الصليبية، كانت هنالك فكرة تتكون ان ضعف منطقة البحر الابيض المتوسط تعني هيمنة وقوة للغرب وان سر القوة هو الاسلام الذي حمله الفاتحون او جيل صلاح الدين.
ترسيخ الفكرة
هذه النظرة التي صدف ان ترسخ من خلال الفكر الرأسمالي الصناعي وحاجته الى المواد الخام والسوق والايدي العاملة الرخيصة والسيطرة الجغرافية على مصادر المواد الاولية ومن ثم تصنيعها والاستحواذ على اسواقها واخلائها من الكفاءات بنقلها للعمل لديها، وتطور الامر الى ابقاء صنائع بلا ابداع وعقليات مشوشة مشوهة للدين والمذاهب، وتقمع الناس وتقتل الابداع ليهرب من يستطيع وتئد من لا يستطيع، الفكر الرأسمالي يهتم ببيئته التي هي ايضا سوق وايدي عاملة لكن لابد من استقرارها وسكينتها واطلاق شعورها بالرضا بمكانتها وكرامتها الانسانية لان هذا الرضا والشعور الذي سيدرك حتما انه مجرد انطباع عند قمع اول تمرد يظهر لأي سبب، عموما الرأسمالية هي تسمية ماركس المختصرة لأصحاب المصالح، واجتماع اصحاب المصالح توافق ضروري ينفع الجميع لهذا يعملون ككتلة واحدة بقيم متفق عليها ولم يشذ عنها الا ترامب، وهو يعاقب لهذا الشذوذ، فالفكرة كما ذكرنا في مقال سابق، حماية وامان بيئة المجتمع الرأسمالي ولا يهم لو خرب بقية العالم مالم يؤثر على المصلحة.
تلاقح الفكرتين:
ارتبط الاسلام في الذاكرة الغربية بموقع جغرافي وكينونة اثنية هم العرب، مع العلم ان العرب هم اقل تعداد المسلمين حقيقة وان العربية ليست عرق وانما لغة، وان الاسلام لا يرتبط بالعربية الا بلغة القرآن فهو لم ينزل على اثنية كما نزلت التورات والانجيل ولم ينزل على بقعة جغرافية وانما هو عالمي الزمان والمكان….فلجأت بعض الدول بقصد ابقاء الضعف الى اظهار اناس مدعومة بقنوات فضائية واجبها او بعض واجبها تعميق الكراهية بمس معتقدات ظنية ممكن ان تكون موضوع جدل باحثين ومختصين وليس عامة الناس، ولجأت دول اخرى الى الوقوف في المحافل السياسية ضد أي حراك لدولة ناهضة من الموقع الجغرافي المؤشر بالخطر او احداث تغيير في حالة المجتمع من الاثنية المؤشرة انها خطر، وحرص شديد على كل ما يشوه الدين المؤشر انه خطر وتمزيق نتيجة دعم الاقلية الجاهلة التي لا تتمدن بعقلها.
قد لا يبدو هذا الامر مهما لتلك الدول لكنها حقيقة تحرق المحيط متخيلة ان النار لن تمسها، لا تراجع لأنها لا تفكر اصلا بجدوى المراجعة…
البريطانيون مثلا هم أكثر الناس لهم ذاكرة استعمارية قريبة، لابد ان يدرسوا هذا الامر ليكونوا جسرا الى بقية العالم ولكن من خلال نافذة سليمة انتقالا الى ابواب مفتوحة وتنظر الى جدوى السياسات الغربية عموما في المنطقة وتحرك الراكد من حالة بروك الجمل بذات المكان، وكان الزمان لا يتغير.
الاسلام في مثانية لا ينشئ دولة تحارب او تقوم بالفتوحات بالسلاح، فالإسلام منهج وعقيدة ولا موقع جغرافي له ولا اثنية تحمله عبر التاريخ لمن يفهم فالتقنية كفيلة بعرضه وعرض اضداده وللإنسان الاختيار، ولم يك في السابق من سبيل الا الفتوحات، اما اليوم فلا حاجة لاستمرار هذا الاستقطاب وظلم الشعوب وتشويه عقيدتها، ومهما اختلفت العقائد فان هنالك غربال في بنية الاسلام تصفي جريان الفكر والرؤية، وان افضل الطرق للتغلب على مشاكل الانسانية من هذا الفساد الكبير هي الاتحاد على منصة المدنية وبناء مشاركات تتكامل بها الجغرافيا من حيث مصادر الطاقة وتقنيات الانتاج، لكي لا يفقد الناس الآدمية ويدخل الناس الدنيا ويخرجون وهم يعيشون بجهنم صنعها اناس لا يحسون انهم يرتكبون جرما بل الجرم في منعهم عن الاجرام وتلك منظومة تنمية التخلف في الطرف الاخر من العالم الصغير اليوم.