متى يتحرّر العراق من أصحاب ” الفخامات ” ؟ علي حسين
لا شك أنكم تساءلتم مثلي أين اختفى وزير خارجيّتنا إبراهيم الجعفري ، ولماذا لم يحضر استقبال الرئيس الفرنسي في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة الى الدعم الدولي ؟ البعض يقول إنه منشغل بكتابة الجزء الثاني من موسوعته ” نظريّة العلاقة الزوجيّة ” ، فبعد أن انتهى من رسالة الملوك ، قرّر التفرّغ لدراسة أحوال المرأة ، الجعفري الذي أتحفنا منذ أن شغل منصب أول رئيس لمجلس الحكم في آب 2003 ، وحتى يومنا هذا بـ 176 كتاباً ، يريد أن يحشو عقولنا ” المسكينة ” بكلّ ما لذّ وطاب من أنواع الغيبوبة الإنسانية التي تُفقِد الإنسان حواسّه السليمة ، وتخدّر خلايا الدماغ .
منذ أيام وصبي عراقي يبلغ السادسة عشرة من عمره لم يترك فضائية إلا وسكب دموعه فيها مترجّياً ، أن يعيدوا له أُمه ” أفراح شوقي ” التي اختُطفت في واحدة من ليالي بغداد العجيبة ، بينما كانت مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لفرسان دولة القانون ، تُحرّض على قتلها وتتهم أجندات خارجيّة بأنها وراء عمليّة الخطف ، حتى أنّ أحدهم قال انتظروا ستجدون المخطوفة تتمشى في شوارع الرياض قريباً ، هذا السخف وبلادة الحس لايقلّان ، عن الفعل الذي مارسته أجهزتنا الأمنية وهي تتصدّى بكلّ بسالة وشجاعة بالهراوات والرصاص الحيّ لعدد من الصحفيين والناشطين كانوا يتساءلون عن مصير زميلتهم ، فكيف تسنّى لنفر ضالّ أن يصل إلى أبواب ” الجنّة الخضراء ” ؟!
حفلة الضرب بالهراوات التي جرت أمس ليست حدثاً فريداً ، فالوحش الأمني من حقّه أن يدهس من يختارهم ببساطة ، إنه سيجد من يخرج ليوجّه برقيات الشكر لهذه القوات الباسلة التي تحفظ الأمن وتنشر الأمان ، والدليل أن المسافة بين الحفلة التي أقامتها هذه القوات ، ومدينة الصدر التي طاردت المفخخات أبناءها الأبرياء ، لاتزيد على الربع ساعة في السيارة ، ولكنّ ” جماعة كلّ شيء تحت السيطرة ” لايزالون يؤمنون أن تظاهرة صغيرة تطالب بكشف الخاطفين ومحاسبة المفسدين أخطر مئة مرّة من خمس سيّارات ومثلها عبوات ناسفة ، أهدرت دماء الأبرياء والعزّل من الذين لا يعيرهم الساسة أهميّة كبرى. عمّال المسطر ، باعة الخضراوات ، الذين يخرجون للبحث عن لقمة العيش ، ضحايا الفشل الأمني ، ممّن لا يكتب في رثائهم إبراهيم الجعفري ولو كتيباً صغيراً ، ، ولا يضغط أحد على جثة هامدة، اسمها مجلس النوّاب ، لكي تستردّ فيه الحياة، مؤقتاً فيدرك أن الذين انتخبوه أولى بالعناية من أبناء المنامة وصنعاء وإسطنبول .
اليوم يقدّم لنا الساسة آخر عروضهم ، يقولون لك إن بقاءك على قيد الحياة مرهون بالإيمان بأصحاب الفخامات والمعالي ، وبالتصفيق للبرلمان الكسيح ، ومن يرفضون ” هذه النِّعم ” ستحلّ اللعنة عليهم ، إمّا أن تبتلع العبوات الناسفة حياتهم ، أو تذهب إليهم السيارات المظلّلة في آخر الليل ، ليتمّ نفيهم إلى المجهول .