في مأساة المثقف الموصلي خير الدين العساف وأرق القصة القصيرة
متابعة/عراقيون/ صباح سليم علي، يعد خير الدين العساف كاتباً قصصياً سبعينياً يعي تجربته في الكتابة جيداً وكان موقعه في العقد السبعيني واحدا ً من رعيل هذا الجيل الذين غيروا من تيار الواقعية القصصية المباشرة الى نموذج الفرد اللغز المحتج الغاضب.
الفرد بذاته وما حوله من مشاهد تتكرر والذات هنا حاضرة غائبة مريضة أو متعاقبة أهمها أن تكون متواصلة مع نفسها ولكنها تصاب بالخيبة نتيجة خيبات الواقع وتصرفات الأنسان الحلم ذلك النموذج في قصته الطويلة ( الأفق السابع( التي أرسلتها لي أبنة الراحل وهي نموذج متقدم للكاتب في ملاحقة مكونات حركة الواقع وعلاقتها بالشخصية والتي هي الذات المتفجرة بشكلها العبثي والواعي بالوقت نفسه .
أن القصة عند خير الدين العساف حالة تأمل واحتراس أخلاقي مما هو غير منطقي أو مقبول كما هي حالة تصادم بين حياة مجدية وبين المعنى الفائق للانسانية.
لقد أستطاع خير الدين أن يصل ألى عذابات الضمير الوجودي أمام محنة الواقع وممارسات البعض ضد حرية الفكر،أنه لا يراقب هذه الحالة بل يسعى الى فضح المساحة المرعبة التي تقام عليها هذه الطقوس المازوكية .
أن رحيله المبكر يضعنا بشكل مباشر أمام مأساة المثقف الموصلي وما كان يحمله من هموم تعانق روحه وتؤرقه فكرة وجوده على هذه الأرض وديمومته التي تصور وتمثل الحالة الموزعة بين القبح والجمال وبين المعنى وعدمه وبين الخطأ والصواب مثل هذه الفكرة الثانية كانت تؤرق خير الدين العساف الأنسان كثيراً فيتساءل عنها ربما بمزحة أو بضحكة ولكنها تبقى مؤثرة في اذانه لتنعكس سلباً في جسده حيث لا يحتملها لتحولها الى ألم صامت متقطع أما الأولى فهي تكاد أن تكون حالة متأصلة .
فكرة الكتابة الابداعية تلك وتأصلها ناتج عن وعي الكاتب بها ومقدرة الفنان على المسير بها واتمامها لتكون جزءاً من حياته الأدبية والفكرية والتي يبدو أن خير الدين العساف مشغولاً بها طيلة نهاره وليله المؤرق فالموت الذي انطوت على سره العصور لم يستطع أن يأخذ منه سوى الجسد أما الفكرة فبقيت حاضرة شاخصة في أذهان مجايليه والكتاب والقراء على السواء .
المعنى العميق وما يحتويه حضور شاخص واضح الرؤية في مواجهة الغائب أنه القدر الهامس الغشوم الذي يؤجل ويصطفي ويختار ولكي لا ننسى مبدعينا من أهل الموصل يكون حضورهم في ذاكرتنا على مستوى الوفاء فلا بد لنا أن نتوقف أمامهم ونعرف أجيالنا الجديدة بالكلمة المؤثرة الفاعلة التي تبقى متألقة بوهجها كشعلة لا تنطفئ.