سرمد كوكب الجميل يكتب: ديوان الرقابة المالية “خيار العراق لمحاربة الفساد”

ان من يطلع على تاريخ الرقابة المالية في العراق يقف متسائلا كيف لكل هذا الارث الرقابي ان يتلاشى ويسمح بتفشي الفساد وتدني اداء العمل الحكومي المالي وغير المالي للحد الذي وصفت البلاد بالهشاشة واحتل موقعا متقدما فيه.


ان الصراع بين الادارات الحكومية والرقابة المالية قديم في العراق وهو يمثل صراعا بين الفساد والنزاهة من خلال الرقابة والاشراف فانحسر الفساد وانتصرت النزاهة عقودا من الزمن، فاذا كانت الرقابة الداخلية ( الرقابة داخل الادارة الحكومية ) تمارس من قبل المديرين بمختلف مستوياتهم من اعلى مستوى وهو الوزير وانتهاءا بادنى مستوى اداري في اصغر وحدة ادارية في الوزارة او المؤسسات والهيئات التابعة لها ولم تات اكلها فهناك الرقابة الخارجية التي تمارس انشطتها على كل الوزارات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية لتضبط الاعمال وتضعها بمسارها الصحيح، وكانت قد تاسست اول مؤسسة رقابة خارجية في العراق سنة ١٩٢٧ تحت عنوان دائرة تدقيق الحسابات العامة وبادارة بريطانية ولغاية سنة ١٩٣٥ فتعرقت ادارتها واستمرت بعدها تمارس الرقابة الخارجية باطرها البسيطة لغاية خمسينات القرن الماضي حيث شهدت الانشطة الحكومية توسعا وتطورا مما استدعى تطوير منظومة الرقابة الخارجية لتتوائم مع الانشطة الحكومية وبذلت جهودا باتجاه تطوير المؤسسة الرقابية في العراق وبرز الدكتور عبد الله النقشبندي وتبنى هذا المشروع وقدم مقترحه بعد دراسة طويلة بكتاب تحت عنوان ” الرقابة المالية في العراق ومشروع مجلس الاشراف والتنظيم ” سنة ١٩٦٤ وتضمنت نظرية الرقابة والاشراف تاسيس ديوان للرقابة المالية ليتولى الرقابة المالية وتقييم الاداء والكفاءة والتقاضي واستمرت جهوده متواصلة امام تحديات كبيرة وصعوبات وتعقيدات وظروف غير مستقرة وكانت هناك قوى تقف بالضد منه ومن مشروعه من داخل وزارة المالية واستمر بالكفاح مع زملاء له وكانت هناك محاولات لاذابة مشروعه ضمن مشاريع عربية اخرى ومنها مصر ولكنه اصر على ان يكون مقترحه عراقيا هو الافضل وبعد مخاض صعب اقر قانون تاسيس ديوان الرقابة المالية في اذار ١٩٦٨ .


واستمرت مسيرة ديوان الرقابة المالية المتالقة لغاية بداية عقد التسعينات وبسبب الحصار وظروف العراق فانحسرت نشاطاته وتدنت لغاية ٢٠٠٣ وبدت توجهات تدعو لحل الديوان بكل الطرق ولكن كان الديوان باطره وقياداته اقوى من كل التحديات وبرز الاتجاه نحو تشتيت صلاحياته وهذا ما حصل فعلا بين هيئة النزاهة ومكتب المفتش العام وعلى الرغم من كل ذلك كان وما زال الديوان عنوانا الرقابة المالية في العراق وهو من يعول عليه في محاربة الفساد واجتثاثه من جذوره فيما لو انيطت به مهام الرقابة المالية والتقاضي في الجرائم المالية وهو امر يمكن ان يتحقق.

تعد تجربة العراق في الرقابة المالية رائدة بين الدول العربية وشكلت ارثا كبيرا يستدعي توظيفه بالشكل الصحيح في تعديل مسارات الادارات الحكومية وتقويم ادائها وتحقيق الكفاءة وخلق انماط جديدة في الاشراف والرقابة والانضباط في العمل الحكومي وهو قادر على ذلك اذا ما دعم الديوان ومنح صلاحيات العمل الرقابي والاشرافي كاملة ، اما اذا بقي الاصلاح مسالة سياسية فانتظروا توافقات السياسين بعد عمر طويل ان شاء الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *