محمد صالح البدراني يكتب :النخبة
التقيت بحكيم صدفة، لم اعد أميز أالتقينا في صومعة أو على حافة نهر أم في حلم يتكئ على عصاه وهو ينظر إلى بضع من الشياه في كلئ ويبتسم لماعز نشط يترك كلئ الأرض ليتسلق شجرة بالكاد تصبر على ثقلها.
قال: كيف ترى الناس وأوضاعهم
قلت: الناس تحتاج لتعريف الأمور بما لا تقدمه النخب
فتبسم والتفت قليلا كأنه لا يريد أن تغفل عيناه عن الغنم، متسائلا ما النخبة؟
قلت : تداخلت علينا سيدي
قال: النخبة: هي المتصدرة للتفكير بين المفكرين، وهي المتصدرة للصناعة بين المهنيين .. وهكذا دواليك الأمر في تعريف النخب إلى أن نصل إلى نخبة الأمة من كل هؤلاء وهي موضوعنا لأنها قائدة كل النخب وهم النخبة الريادية التي تضع الحلول وتجد ساحة أعمالهم وتغنيها بلوازمها ليقوم كل في عمله ويتابع التطور المدني في العالم ويشارك في تطويره للعالم وهكذا يجري عمل النخب.
وحين تقوم بمنتدى أو تجمّع للنخب فإنك لا تتوقع أن تسمع كلاما مرسلا أو تضطر للتوضيح لكل نقطة وشرحها بكتاب لكي توصل فكرة.
إنك لا تتوقع حين تطرح فكرة أن توصف بالخيال أو أنها غير عملية دون دراسة أو أرقام مع وضع البديل.
قلت: هذا ما يصعب تأكيده في واقعنا
قال الحكيم
إنك لا تتوقع أن هنالك قلوبا تَمكّن من عقلها الطغيان وأن نموذجها المثالي محض طاغية جاهل، أو تستكين كالعامة إلى مقارنة باهتة، فباتوا كبلبل القفص ما أن تخرجه من قفصه إلا وتملكه الخوف فيعود إلى قفصه فرحا ينفض ريشه .
فليست نخب إذا أخذت الأمور بمظاهرها، ولا تتعمق في ظواهرها، واحترام الرأي عندها ألا تخالفها، والشخصانية مرتفعة ولا تجيد عمل الفريق، نوع من التخلف الواضح، تحب الظلم وتهوى ممارسته، ولكنها تكره أن تكون مظلومة، بل تعتبر أن غلبتها برأي سقيم وبسفاهة السلوك هي قمّة النجاح، لا تنتج أفكارًا وإنما تجيد الانتقاد لا النقد، فإن وجدت ما يذم تذم، وإن وجدت ما يمتدح فتمتدح من تحب وتنكر مدح من تكره، تبالغ في التجريح وتزرع الإحباط، تلك الأمور ليست غريبة في أمة هي بيئة لمنظومة تنمية التخلف، بل هو طبيعي بميزاتها التي لا تتوقع خيرًا منها كما لا تتوقع أن ينتج الزنبور عسلا
هؤلاء ليسوا نخبة نهضة حينما يرتكز طرحها على انطباعات أو على جهات ارتضت تمويلها
قلت: لكن هذا ما نراه في واقعنا
قال: أتعلم أيها الضيف أن هنالك نخبة للفشل
قلت: عجبا
قال: عندما تتخلى النخبة الراقية عن التصدي لعمل الواجب تقصيرا أو اضطرارا لكونها رخوة وقوتها بعلمها والجهل اقوي زمن الفوضى وتعلوا نخبة الرعاع، فنخبة الرعاع غوغاء هي نخب الفشل التي لا برنامج لها ولا رؤية اللهم إلا أنها تعتبر نجاحها هو فشل الآخرين دون أن تقدم هي شيء.
قلت: أبيننا هم؟
قال الحكيـــــم: الطاغية مارد في داخلنا، فإما تكبته القيم أو ينطلق مع أول فوضى تحت أي مسمى أو مقدس أو أيدلوجيا، لكنه لا يبحث إلا عن السلطة والمال، وقد يكون إنسان أصله راقي لكنه يتحول إلى غوغائي عندما تستعمره غرائزه.
مثل هذه النخب تبهرهم السلطة وبلا برنامج بناء أو خطة تنموية، فتصبح فرشاة يرسم بها الآخرون خططهم وهم لعظم تفاهتهم لا يمكنهم إخفاءها، فهم يبدعون إبداعا رهيبا في الفشل وتدمير البلد والقضاء على مقومات وحدته ووجوده، وظهور الطاغية الذي في داخلهم والذي كان يستنكر الطغيان ففرغت الخزائن وسقط الأبرياء وهدم العمران والبناء.
توالي الفاشلون وتوابعهم عبر الزمن فوصلت البلاد إلى حالة من تفكيك الانتماء والذي كان يرافقه هدم للقيم والإنسان، أوطان بلا مواطنة أو إحساس حقيقي بأن كرامتك في أرضك، العيش بات عبئا، الأمان حلم الناس والأمن رفاهية، عبورك ليوم آخر إنجاز كبير والأقدار لا فضل لك فيها ولا تأثير، لكن ما تأثيرك في أي شيء ليكون لك تأثير في وجودك، لا مراجعة للرأي ولا للتفكير أنها قادرة على لا شيء. وكرامة مستجلبة أمام الأضعف، مهداة للقوة، هذا ليس عالم الإنسان وإنما ما تصنعه النخبة الفاشلة عندما تحل بالمكان.
اختفى فجأة لست متأكدا انه كان منام