سعد سعيد الديوه جي يكتب:من يدفع ثمن الغطرسة
من بدايات القرن السابق ظهر شعور لدى الأمريكان بأنهم الأقوى ولا بد أن يقودوا العالم، فقد صرح الرئيس وورد ويلسون الذي قال (لا توجد أُمة واحدة بعد الان تستطيع العيش بالاعتماد على نفسها فقط واصبح من جانب الولايات المتحدة ان تلعب دورا قياديا في هذا الخصوص في فتح وتغيير الشرق الأوسط… سيفتح الشرق ويغير سواءا… ومعاير الغرب ستفرض عليه… إنه واجبنا الخاص… أن نعدل العملية ونسبغ عليها فوائد الحرية) وكان هذا الكلام عام 1900م
أنهكت الحربان العالميتان الدول الاستعمارية القديمة خصوصا الحرب العالمية الثانية مع نهايتها عام 1945م وما أعقبها من انقسام العالم الى معسكرين، شيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي وغزي رأسمالي بقيادة الولايات المتحدة ثم بدأت الحرب الباردة بين القطبين والتي انتهت بهزيمة المعسكر الشرقي وبسقوط جدار برلين عام 1989م وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م عادت أفكار الرئيس ويلسون للحياة، وأن العالم يجب يتحكم به قطب واحد وان التاريخ بلغ منتهاه، وراح كتال ومفكرون أمريكان يبشرون العالم بنهاية سعيدة تديرها الولايات المتحدة، وكان أبرزهم:- فوكوياما ونتجتون.
والحقيقة ان الامريكان تملكتهم الغطرسة والشعور بالتفوق وراحوا يلوحون بالعصا لكل من يقف ضد هذه النظرية وهو دليل على ضعف النظرة التاريخية لدى المحللين الامريكان، وزادت في تسعينيات القرن الماضي هذه الغطرسة بعد الوهن الذي أصاب الجسم الروس وعدم ظهور الصينين بالشكل الذي عليه الان، وذلك النصر اليهودي الذي حققته أمريكا على العراق في عام 1991م حيث صرحت مادلين أولبراين وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك (اذا توجب علينا استخدام القوة فهذا لأننا أمريكا) (ونحن الامة التي لا يمكن الاستغناء عنها) !
ولكن الواقع يقول ان السياسة الامريكية المعاصرة وقعت في اضطراب بعد ان التقطت روسيا أنفاسها وأصبحت لا تخضع لشروط الولايات المتحدة واملائياتها في معظم الأمور، وبروز التنين الصيني على كافة المستويات وبشكل لم يتوقعه الامريكان والعالم ككل.
أذ الامريكان يبشرون العالم بنشر الديمقراطية والحرية غطاءً لتنفيذ نظرتهم للعالم الجديد، بينما دعا بوش الابن قبل احتلال العراق عام 2003م الى حملات صليبية من اجل القضاء على محور الشر واسلحة الدمار الشامل !
ولكن الحقيقة كما يقول المفكر نعوم تشوسكي، ان احتلال العراق لكونه ثمين بشكل يفوق الحد، فهو يملك ثاني اضخم احتياطي للنفط في العالم وسهل الوصول اليه، كذلك فان موقع العراق الكائن في قلب المناطق الرئيسية المنتجة للطاقة في العالم تماماً، فالعراق يحد ايران والمملكة العربية السعودية وسيكون كابوسا على اميركا ان تترك العراق لشعبه !
لم يدرك النظام السابق معظم هذه المعطيات فدخل الكويت وفتح باب الشرق على مصرعيه للحلم الأمريكي، فكانت سنوات الحصار وما اعقبها من احتلال لازالت اثاره جاثمة على صدور اهل العراق الذين دفعوا ثمن الغطرسة الأمريكية والاخطاء السياسية للنظام السابق، لكن المضحك المبكي ان الأمريكان دفعوا جزء من هذا الثمن الباهظ…
ليثبتوا للعالم ان القوة وحدها لا تكفي لإقامة الحلم ! في نهاية التاريخ ما لم يقتدن بالحكمة واحترام تطلعات الشعوب واحترام ثقافاتها.