معركة تحرير الموصل معاضل وتحديات د.عماد علو الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية
تعهدت القيادات العراقية باستعادة السيطرة على مدينة الموصل بحلول نهاية العام 2016، لكن الهجوم الذي شنته القوات المسلحة العراقية في 17/10/2016 ، لتحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الارهابي لايزال يواجه تحديات جسيمة على مختلف المستويات ، وهو أمر غير مستغرب حيث أن اثبتت الحروب السابقة ان المهمة الاصعب لدى جميع الجيوش النظامية هي القتال داخل المدن وخوض المعارك فيها ، وذلك لكلفتها الكبيرة في الافراد والمعدات تفوق تلك الكلف التي يمكن ان تقدمها القوات او الجيوش النظامية في معركة مكشوفة خارج المدن . الا أن القوات المسلحة العراقية نجحت في تحقيق مكاسب وانجازات كبيرة خلال ال(60) يوما” من المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي حيث تمكنت من تحرير ما يقارب من اربعين حيا” من احياء الساحل الايسر لمدينة الموصل دون ان تلحق اضرار او خسائر تذكر بالمدنيين اللذين ظل تنظيم داعش يحتمي بهم كدروع بشرية . ولكن هذا لا ينفي ان القوات العراقية لم تواجه معاضل وتحديات ومعوقات حملتها الكثير من الكلف وقللت من سرعة زخم هجومها وتقدمها الذي بدأت به القتال في 17/10/2016 .
ان أهم المعاضل والتحديات التي واجهت القوات العراقية في قتالها داخل مدينة الموصل تمثلت بما يلي :
- وجود اعداد كبيرة من المدنيين من سكان المدينة ، اللذين احتمى بهم تنظيم داعش الارهابي كدروع بشرية فضلا” عن استخدامهم لإرباك القطعات المحررة بإجبارهم على مغادرة منازلهم والنزوح بأعداد كبيرة في مراحل مختلفة من المعركة داخل المدينة مما شكل تحديدات كبيرة على استخدام الاسلحة الساندة والشخصية من قبل القوات المحررة للمدينة واعاق سرعة تقدمها ومطاردتها لعناصر التنظيم الارهابي داخل احياء المدينة .
- وجود شبكة معقدة من الانفاق والخنادق والنقاط الحصينة قام تنظيم داعش بأنشائها منذ استيلائه على المدينة في منتصف حزيران 2014 ، ساعدت عناصر التنظيم على المناورة بالنيران والمقاتلين في ظروف قتالية معقدة داخل احياء مدينة الموصل وشوارعها وازقتها الضيقة في الساحل الايسر، مستغلا” ظروف الرؤية الليلية الصعبة ، وتفضيل معظم سكان المدينة البقاء في منازلهم ، بعد وصول القوات العراقية اليهم.
- ادى وجود المدنيين في الموصل الى تحييد الاسلحة الساندة للقوات المحررة مما اضعف من القوة النارية المطلوبة لمواجهة واضعاف دفاعات تنظيم داعش داخل المدينة ومعالجة مصادر النيران المعادية . في حين لم يتوانى داعش عن استخدام المدفعية والهاونات والصواريخ ضد القوات العراقية والمدنيين المتجهين صوب القوات العراقية المحررة .
- استخدام تنظيم داعش لأعداد كبيرة من العجلات المفخخة (640مفخخة داخل مدينة الموصل) والانتحاريين بالأحزمة الناسفة ، شكل تهديدا” جديا” للقطعات المقاتلة داخل احياء المدينة فضلا” عن الحاقها خسائر بالمدنيين والبنى التحتية ودور المواطنين .
- استخدام تنظيم داعش الارهابي للطائرات المسيرة الصغيرة في رصد تحركاتِ القواتِ العراقية وتحديدِ مواقعِها، كما أنهُ يستخدمُها أيضًا لإرشاد المدفعيةِ والسياراتِ المفخخة ن كما حاول تنظيم داعش استخدامها لتحمل المتفجرات ويرسلها لاستهداف شخصيات ومقرات عسكرية .
- استخدام القناصين بشكل مكثف من قبل تنظيم داعش الارهابي و قناصي “داعش” مدربون ومتمرسون على عمليات القنص واغلبهم شارك في معارك سوريا وافغانستان وليبيا ويستعملون بنادق قنص مختلفة يصل مداها القاتل لهذه إلى أكثر من كيلومتر واحد حسب نوع الذخيرة المستعملة، وهي بنادق مزودة بجهاز للتصويب والتسديد ويمكن ان يكون هذا الجهاز ضوئياً أو يعمل عن طريق الحرارة أو أشعة الليزر، ومنها بندقية باريت إم 82 وهي بندقية قناصة اميركية الصنع، وكذلك-البندقية القناصة بي. إ س. جي-1 الألمانية وهي بندقية قناصة عالية الدقة وتعد إحدى القانصات التي تم إعدادها وتطويرها بواسطة شركة ألمانية في منتصف الثمانينيات وايضاً بندقية “تبوك” العراقية التي يستخدمها الارهابيون بكثرة، فضلاً عن القناصة الاسرائيلية “جنين”.
- شكلت الظروف المناخية الشتوية عائقا” آخر امام القوات العراقية المحررة بسبب تحديدات الرؤية نتيجة الضباب والامطار مما اعاق تقديم الاسناد الجوي والرصد والاستطلاع للقطعات المحررة داخل المدينة .
خلاصة القول ان معركة تحرير الموصل تعتبر معركة معقدة وشرسة تخوضها القوات المسلحة العراقية البطلة ضد عدو ارهابي مجرم ، وتتحكم بمساراتها عوامل وعناصر ومؤثرات عديدة ومختلفة ومتباينة اجتماعية وسياسية وعسكرية ودينية وانسانية وبيئية لذلك فان تحديد سقف زمني لانتهائها سيكون عملية غير مجدية في الوقت الراهن نظرا” لتداخل تأثيرات العوامل والعناصر المؤثرة في مسارات وتطورات معركة تحرير الموصل .