استقالة معارضة بقلم: فاروق يوسف
ما لا يغتفر للمعارضة السورية، أنها سكتت على الإرهاب بل فعلت الأسوأ، حين أصرت على استمرار تمثيل مقاتلي الداخل وهي تعرف مرجعياتهم.
ما من طرف من أطرف المعارضة السورية يملك مقومات الشرعية التي تؤهله لإثبات تمثيله للشعب السوري. تمثيل شعب ما هو أمر في غاية الصعوبة إذا ما جرت الأمور خارج مفهوم الدولة القائمة، حيث التمثيل القسري أو تمثيل الأمر الواقع في بلد مثل سوريا. وقد يُصدم المعارضون بسؤال واقعي وعقلاني من نوع “أي شعب تقصدون؟”.
منذ اللحظة الأولى للحراك السلمي المناهض لهيمنة حزب البعث على مفاصل الحياة السياسية في البلد بدا واضحا أن هناك شعبين. شعب مع وشعب ضد. شعب خرج إلى الشارع منتفضا، وآخر احتمى بالدولة خائفا. ناهيك عن وجود شعب ثالث هو لا مع ولا ضد.
لذلك كان الجانب التمثيلي لمعارضة جرى تعيينها بطريقة ملتبسة من جهة ما انطوت عليه من ارتجال، هو أكثر الجوانب عرضة للشك والمساءلة. صحيح أن معارضي الخارج في التجمعات التي تم تبنيها قد حظوا بدعم سياسي غير محدود من قبل الغرب والعرب على حد سواء، غير أن ذلك الدعم لم يردم فجوة التمثيل. حدث طبيعي وقف أمامه علمانيو المعارضة مترددين، في حين تخطته التنظيمات الدينية التي لا تؤمن بالشعب أصلا.
يُقال إن تلك المعارضة التي تم الترويج لها كانت عبارة عن واجهة لمشاريع الدول التي تبنتها ومولتها وروّجت لها في المحافل الدولية. وفي هذا القول يكمن نوع من الظلم لعدد من الشخصيات المعارضة التي يُقال إنها زجت بنفسها في المكان الخطأ. علما أن شيئا مهمّا مما كان يحدث في كواليس المعارضة عبر السنوات الست الماضية لم يجر تسريبه على نطاق واسع، وذلك بسبب خشية المعارضين المحبَطين على أنفسهم، بعد أن أدركوا أن الدعم الدولي لا يأتي من غير مقابل.
حين كانت تلك المعارضة تحضر إلى مؤتمرات التسوية في جنيف مسبوقة بتشددها وبالأخص في ما يتعلق بمسألة مستقبل بشار الأسد، حيث لا حل سياسيا من وجهة نظرها إلا برحيله، كانت الدول الراعية تطرب لذلك التشدد. الأمر الذي يعني أن المعارضة لم تصغ موقفا وطنيا ينأى بها من شراك الآخرين المنصوبة للانقضاض على سوريا.
وكما أرى فإن ذلك الموقف كان سببا رئيسا في إضعاف قوى المعارضة الخارجية وعزلها في إطار صالوني، بعيدا عن المتغيرات على الأرض، داخل سوريا. كانت هناك خديعة مبيّتة. مَن خدع مَن؟
لقد طال زمن الحرب. وهو ما لم تكن تأمله المعارضة الخارجية التي حزم الكثير من أفرادها حقائبهم للعودة إلى سوريا فاتحين على غرار ما فعله المعارضون العراقيون عام 2003.
وإذا ما كانت تلك المعارضة قد أصرت على أن تنكر تبدل المعادلات على الأرض، فإن وقائع ما كان يجري عبر سنوات الحرب قد أسدلت الستار على ما كانت تدعي أنها تملكه على مستوى التحكم بالجماعات المسلحة التي كانت تقاتل في الداخل.
لقد خسر الجيش الحر، الذي هو ذراع المعارضة العسكرية، كل مواقعه لصالح تنظيمات متشددة، تبين في ما بعد أنها تنظيمات إرهابية، لا علاقة لها بالثورة السورية ولا بأهداف الحراك الشعبي.
ما لا يُغتفر للمعارضة السورية، التي تدعي تمثيل الشعب السوري مجازا، أنها سكتت على الإرهاب، بل فعلت الأسوأ، حين أصرت على استمرار تمثيل مقاتلي الداخل وهي تعرف مرجعياتهم وأهدافهم. وهي الكذبة التي أطاحت بآخر أمل من آمال المعارضة للاستمرار في أداء دور المفاوض في أي تسوية من أجل إنهاء النزاع.
لم تلتفت روسيا إلى معارضي الائتلاف في سعيهم لإجراء مفاوضات التسوية في أستانة. من المؤكد أنها تعتبرهم ورقة محروقة. وهو أمر محزن بالنسبة إلى بعض الشخصيات المعارضة المرموقة التي كان المشروع أكبر منها.
روسيا التي رعت الحرب السورية في آخر فصولها تجد أمامها متسعا من الوقت لمفاجأة السوريين بمعارضيهم.
كاتب عراقي
فاروق يوسف