حزب الدعوة أكذوبة قائمة على الطائفية بقلم: هارون محمد
حزب الدعوة يبقى فائضا عن الحاجة، لأنه حزب فاسدين لا يملك فلسفة ولا منهجا سياسيين، وبضاعته الأساسية المتاجرة بالطائفية التي لا يملك سواها.
لن تنجح محاولات أمين عام حزب الدعوة نوري المالكي التي يبذلها حاليا، لترميم حزبه الذي يشهد أزمات تنظيمية داخلية وعزلة عراقية شعبية، آخر صورها التظاهرات الاحتجاجية ضد زياراته إلى محافظات العمارة والناصرية والبصرة، إضافة إلى صراعاته الخفية والعلنية مع أطراف شيعية وخصوصا، مرجعية النجف والتيار الصدري والمجلس الأعلى ومجموعات أخرى.
مشكلة الدعوة أنه حزب يصر على تزوير تاريخه، تأسيسا وقيادة ونشاطا، ويزعم المالكي في كلمة له قبل أسبوعين أن عمره صار 60 عاما، وهذا هراء لأن الأحداث التي مر بها العراق تنفي أن يكون الحزب قد تأسس في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، وتسيدت الشارع العراقي، أحزاب المعارضة وقتئذ، الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجي والاستقلال برئاسة الشيخ محمد مهدي كبة، والشيوعي العراقي وكان مسؤوله وقتئذ حسين الرضوي والبعث العربي الاشتراكي بقيادة فؤاد الركابي، ولم نسمع عن وجود حزب ديني يحمل اسم “الدعوة” لا في بغداد ولا في أي مدينة عراقية أخرى، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي لم تكن جزءا من الحركة الوطنية العراقية.
حزب الدعوة الحالي مجرد “لملوم” بدأ التفكير بتأسيسه في العام 1959 كما يقول الشيخ طالب الرفاعي، وهو أحد الدعاة الأوائل إلى تشكيله، لمواجهة المد الشيوعي الذي زحف إلى مدينة النجف وحوّلها إلى موسكو صغيرة حتى أن مكتباتها كانت تضج بمؤلفات وصور ماركس ولينين وستالين أكثر من كتب نهج البلاغة ومأساة الحسين، حتى الرواديد (جمع رادود الذي يقرأ في المواكب الحسينية) غيروا نواحهم من “جابر يا جابر ما دريت بكربلا آشصار” إلى “عمنا خرشوف وأهلنا السوفييت” و“ايزنهاور ينهار يا حيدر الكرار”. ويمكن الاطلاع على المزيد من تلك الملابسات في كتاب “امالي السيد طالب الرفاعي” لمؤلفه رشيد الخيون، علما بأن الرفاعي كان واحدا من أربعة أشخاص، هم محمد باقر الصدر ومهدي الحكيم وشقيقه باقر، فكروا في تأسيس أول حزب شيعي.
يضيف الرفاعي أن المرجع الحكيم طلب من ابنيه الانسحاب من مشاورات تأسيس الحزب لأنه كان يخشى من حزبيتهما على مرجعيته، في الوقت الذي توقف محمد باقر الصدر عن نشاطه بعد أن أُشكلت عليه آية الشورى، وانتهت تلك المرحلة التي وصفها مهدي الحكيم في مذكراته “لا يمكن تحديد شخص معين دعا إلى تأسيس الحزب، غير أن واحدا قال: تعالوا نعمل حزبا فجئنا”، حتى أقبل عام 1962 وفيه اشترك الرفاعي مع عدنان البكاء وعبدالهادي الفضلي في معاودة نشاطهم لتشكيل الحزب، ولم يكن اسم “الدعوة” مطروحا بل كان العمل يجري تحت عنوان ضبابي “الحركة الإسلامية في العراق”.
وتنفي الكثير من قيادات حزب الدعوة حاليا صلتها بـ“الحزب الفاطمي” الذي ضبطت مديرية الأمن العامة في عهد المرحوم العقيد رشيد محسن ثلاثة من نشطائه في العام 1965، اعترفوا بعلاقاتهم مع جهاز سافاك الشاه محمد رضا بهلوي، وتم تسفيرهم إلى بلدهم إيران، رغم أن هناك دلائل تشير إلى أن “الفاطمي” الذي انتهى، ربما يكون النسخة الأولى من حزب الدعوة الحالي، الذي بدأت الأوساط السياسية والأمنية والصحافية العراقية تتداول اسمه ابتداء من شهر أكتوبر 1971، عندما صدر منشور سري وزع على نطاق ضيق، موقّع باسم “حزب الدعوة الإسلامية في العراق” وفيه يعلن اعتقال أحد مجاهديه قال إنه الحاج أبوعصام وتبيّن لاحقا أن اسمه عبدالصاحب دخيل الذي اعتقل في 28 سبتمبر من العام نفسه وصُفّي في قصر النهاية، ونتحدى جميع قادة الحزب وكوادره، من المحامي حسن شبر والمرجع الإيراني كاظم الحائري إلى إبراهيم الجعفري زعيمه السابق ونوري المالكي رئيسه الحالي، أن يظهروا وثائق تثبت خلاف ذلك.
حزب الدعوة لا يملك وثيقة ميلاد تؤرخ ولادته، وليست لديه محاضر اجتماعات أو مؤتمرات أو بيانات قبل العام 1971، وإدعاءات قادته الحاليين بأن محمد باقر الصدر أول رئيس له تفنّدها فتواه الصادرة في العاشر من شعبان 1394 (مطلع أغسطس 1974) وفيها يجيب على استفتاء إمام حسينية التميمي في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد حسين هادي الصدر الذي سأله عن رأيه في انضمام طلاب العلوم الحوزوية إلى الأحزاب الإسلامية؟ فكان جواب الصدر “لا يجوز انتماء طلاب العلوم الدينية إلى الأحزاب الإسلامية، لأن وظيفة طالب العلم هي التبليغ للإرشاد على الطريقة المألوفة بين العلماء”.
ولم يكتف الصدر بهذه الفتوى الواضحة، وإنما دعا طلبته إلى حسم أمرهم في الخروج من مدرسته إذا كانوا أعضاء في حزب الدعوة، أو البقاء فيها إن كانوا غير حزبيين، وبهذا الصدد وقعت حادثة غريبة، عندما جاءه أحد طلابه المقربين له، واعترف بأنه كذب عليه واستمر يجمع بين عضوية حزب الدعوة وتلقى العلم على يديه، ولم يكن هذا الطالب (الفاضل) كما كان يسميه الصدر، غير كاظم الحائري، الذي يعد حاليا أبرز مراجع الشيعة في إيران، ويقلده عدد من قياديي حزب الدعوة والتيار الصدري، وحول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب “حزب الدعوة الإسلامية.. حقائق ووثائق” لمؤلفه صلاح الخرسان الذي استقى معلوماته من حواراته مع محمد باقر الحكيم وقيادات شيعية عراقية وإيرانية.
حزب الدعوة يبقى فائضا عن الحاجة، لأنه حزب فاسدين، لا يملك فلسفة ولا منهجا سياسيين، وبضاعته الأساسية المتاجرة بالطائفية التي لا يملك سواها.