مريم محمد تكتب : ليلة بيروت مقياس لألم العراقيين
في كتاب الليالي البيضاء، يروي دوستوفيسكي نزهاته في بطرسبيرغ ؛وعلىٰ مر ثمان سنوات يجمع ذكريات أزلية مع البيوت التي تقع علىٰ طريقه أثناء تجوله حتىٰ أصبح الكاتب يتخيل كأن المنازل تؤلفه ، وتركض أمامه وهي تقول : مرحبًا ، ياسيدي .
كلمات دوستوفيسكي ليست مجرد حبر علىٰ ورق ،أو مجرد روايةٍ للتسلية من خيالِ كاتب ،بل إنها حقيقةَ الذكريات التي يغفل عنها الانسان في ركنٍ من عقلهِ وكلما مر عليه ذكرىٰ المكان ،او تتوددت منه ذكرىٰ مشابها يحيي عقله ذكرياته فالذكريات التي عاشها الكاتب مع المنازل ،الناس ،العربات والريف عاشها العراقيين مع الأنفجارات ، فعندما قُتل الناس ، وهدمت المنازل ، وعربة الليالي البيضاء تحولت الىٰ اسعاف في بيروت ؛ المدينة الجميلة التي تبدوا كأنها لوحة مقتبسه من الجنة بزرقة البحر وسحر الضباب مع معمار البيوت الحديثة المتوسطة للمزارع الريفية التي تجعل منها ملفتَ للأنتباه ،عروس البحر المتوسط عند ذكرها يلدغ سمعنا للموسيقىٰ الرومانسية مع صوت فيروز ، بيروت المعرفة.
في غضون ثواني غابت بين صورة وذكرىٰ جازت بالتحول الىٰ رماد . هذه النيران التي لهبت قلب لبنان ذكرتهم في الحرائق التي مرت علىٰ أجسادهم ، كأن بغداد هي من سمعت صوت الاسعافات التي جلجلت اراضي مرفأ بيروت ، وملئت المشافي بجثامين الضحايا .
قدموا التعازي بألمٍ وبالحبِ المستوطن داخلهم لإشعال قناديل السلام ومشاعرهم تجاه الأبرياء فهم مبدعون في المواساةِ ،و يعلمون كيف نامت لبنان لإنهم عاشوا الموت بلا أكفانٍ وقبور ، حتى أصبحوا مقياسً للفجعِ ، الألم والخوف ! .