من مايا دياب إلى ياسمين صبري.. كيف شوه “الجمال البلاستيكي” للفنانات حياة الفتيات العربيات؟ تقرير رحاب عبد العظيم
تشعر صديقتي أنها قبيحة جداً، تعجبّتُ كثيراً من وصفها المبالغ فيه لنفسها، هي ليست قبيحة أبداً، حاولتُ أن أوضّح لها ذلك، لكنها راحت تحدثني عن مقاييس الجمال، وكيف أنها بعيدة كل البعد عنها، وأنا كذلك، وأننا بحاجة إلى الكثير من المال لشراء مستحضرات تجميل كي ننقذ ما يمكن إنقاذه، لا أنكر أنني في البداية شعرت بالرثاء لنفسي، ونظرت لها باعتبارها قبيحة، كيف لم ألحظ من قبل!
اكتشفتُ لاحقاً أن ما حدَّثتني عنها صديقتي ليست مقاييس الجمال، ولكنها وهم الجمال، ذلك الذي يركض خلفه الجميع دون فرصة للتعقّل أو التفكير “هل هذا حقاً هو الشكل الذي أرغب في الوصول إليه؟ هل هذا جميل أصلاً؟!”.
تأكدتُ من فكرتي حين رأيتُ ما جرى لممثلتي المفضلة رينيه زيلويجر، تلك السيدة ذات الوجه البريء الجميل، قرّرت أن تتبع معايير الجمال الجديدة، والتي لا تعترف بالخدود المستديرة، أو الوجوه الممتلئة، رأيت صورها عام 2014 حين أطلت لأول مرة على الجمهور بشكلها الجديد، حتى إنها حاولت أن تبدو طبيعية في حفل ELLE women in Hollywood awards، لم أصدق للوهلة الأولى أن هذه هي رينيه الجميلة، الحق أنني شعرت بالخسارة كأنها ماتت.. لم تعد هناك!
صحيح أنها أعلنت عن سعادتها بشكلها الجديد الذي أعيد بناؤه بالبوتكس والفيلر، لكنني شعرت بالرثاء لنفسي قبلها، حيث إنني فقدت ممثلة أخرى كنت أحبها، لكن الشعور ذاته راودني من جديد حين طالعتُ وجه حلا شيحة في شهر رمضان الماضي، حين أطلّت بشكل بدا لي مرعباً.
مقاييس الجمال القاتلة
أسير في الشارع فأرى الفتيات يُتقنَّ صبغ وجوههن بالطريقة الجديدة، تلك التي تُبرز الوجنات بشكل منفّر ككُرتين على جانبي الوجه، وتضييق الذقن والجبهة، وتحمل العينان أطنانَ رموشٍ كي توافق صاحبتها المقاييس الحديثة، والتي صَنعت من الفتياتِ نسخاً مكررةً بلا أي هوية أو شيء يميز واحدة عن الأخرى.
“مقاييس الجمال الحديثة” كانت السبب في انتشار صور الممثلات “قبل وبعد”، حيث يواصلن تغيير أشكالهن لتتوافق مع النموذج السائد، بينما يفتخر أطباء التجميل بزيارة الفنانة فلانة إلى عياداتهم من أجل إجراء الجلسات، باعتبارها شهادة جودة، فينشرون الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتنهال الأسئلة عبر التعليقات “بكام”، فيأتي الرد “الباكدج إنبوكس”.
“بضاعة” أطباء التجميل لم تعد تتعلق بالوجه فقط، ولكنها تتعلق بالجسد كاملاً، علمت هذا من صديقة أرسلت لي رابط صفحة طبيب تجميل، وظيفته إخفاء ترهلات البطن والأرداف وإذابة الدهون من الجسم بطرق مختلفة، كانت صديقتي ترغب في أن تبدو بمعدة مسطحة مثل داليا مصطفى الممثلة، التي فقدت وزنها وصارت “مانيكان”، عقب تاريخ طويل من زيادة الوزن وترهل البطن، وراحت تُعدّد لي الطرق التي يستخدمها، حيث ينحت الجسم تارة بالليزر، وتارة بالتبريد، وتارة أخرى بشيء يدعى “النحت الأيوني عالي التحديد”، لكن صديقتي كانت مهمومة بثمن الجلسات “هادبرها ازاي”، حيث يبلغ متوسط تكلفة نحت الجسم بالليزر ثلاثي الأبعاد 250 دولاراً أمريكياً للجلسة الواحدة، فيما يبلغ متوسط تكلفة نحت الجسم بالليزر رباعي الأبعاد 1000 دولار أمريكي للجلسة الواحدة.
وفيما يواصل أطباء التجميل بيع بضاعتهم، انطلقت بمحاذاتهم الصالات الرياضية، التي راحت تعِد النساء بالوصول إلى مقاييس الجمال المزعومة ذاتها جسدياً، على طريقة آل كارداشيان، فتجد مجموعة من التمارين الرياضية التي تساعد صاحباتها على امتلاك أرداف بارزة وبطن مسطح وصدر ضخم، باعتبار ذلك هو الأجمل، لكن هذا أيضاً باهظ جداً.
بين عيادات التجميل والصالات الرياضية تظل مقاييس الجمال المزعومة غُصة في حلق كثير من الفتيات اللائي يشاهدن ممثلاتهن المفضلات يواصلن تغيير أشكالهن بشكل مستمر، في سباق لا يبدو أن له نهايةً أو شكلاً محدداً.
مَن هن الجميلات؟
يوضح الدكتور وليد إبراهيم، طبيب تجميل، المقاييس المعتمدة حالياً للجمال، والتي تتطلّب أن يكون كونتور الوجه على شكل “قلب” مع وجنات بارزة، وصدغين ممتلئين، مع تقليل عرض الجبهة، والذقن وتصغير الأنف، وأحياناً يكون الوجه بحاجة إلى غمّازات وطابع حسن كي يكتمل المشهد.
وفيما تلجأ الشهيرات للبوتكس والفيللر وعمليات تجميل الأنف، تلجأ البنات العاديات إلى “الكونتور” بواسطة أدوات التجميل في المنزل، حيث يعاد رسم ملامح الوجه من جديد بواسطة الظل والنور قبل وضع مساحيق التجميل، بحيث يتغير الشكل كلياً، لكن هذا أيضاً باهظ جداً إن أرادت الحصول على أدوات تجميل أصلية، فمثلاً سعر علبة ظلال العيون فقط 1269 جنيهاً، أما علبة كونتور تحديد الوجه التي تحتوي على 15 لوناً فتبلغ 1000 جنيه مصري.
لم يعد الأمر يتعلق بأحمر شفاة وكحل وأحمر خدود زادت عليها عشرات التفاصيل الدقيقة قبل وبعد، طبقات عدة من أجل الوصول لذات الوجه الشائع والذي يفترض أنه جميل.
صارت ياسمين صبري عنواناً لـ”الترند” لفترة غير قصيرة، ربما حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، تنظر لها الفتيات فيتحسرن على حالهن، الغريب أن اللجوء إلى التجميل لا يُفقد صاحبته المصداقية، الأمر مقبول على مستوى عالمي، ربما لهذا لم تكن هناك غضاضة من ترشيح ياسمين صبري عام 2017 لتكون ضمن أجمل 100 وجه في العالم.
نظرة سريعة إلى الفارق الذي حلّ على وجهها بين ظهورها الأول في برنامج خطوات الشيطان، وعملها الأخير “فرصة تانية” في شهر رمضان الماضي، يوضح حجم التغيير الذي طرأ عليها، الشابة الأربعينية حقنت جبهتها بواسطة بوتوكس للتجاعيد التعبيرية، ثم أعادت حقن أطراف جبهتها للقضاء على الارتفاع الشديد في حاجبيها نتيجة الحقن، “ميفستو ساين” أو جرعات في الحواجب، كي لا تتحول التجاعيد التعبيرية لديها إلى تجاعيد ثابتة، لكنها لم تكتفِ بهذا، فقد قامت أيضاً بملء خدودها بواسطة الفيلر، فظلَّ وجهُها ممتلئاً رغم فقدانها للوزن، وحقنت فيلر أسفل عينيها للقضاء على الهالات السوداء، كذلك شفتاها برزتا، لتصبح حسب مقاييس الجمال بارزة بزاوية معينة بالمقارنة مع أنفها، كذلك قامت بتحديد الفك والذقن، ليصبح شكلها النهائي كما نراه الآن.
لا تعلم المتحسرات على حالهنّ أن جمال ياسمين مدفوع مقدماً، وأن أيقونة الجمال عبر الشاشة أيقونة صناعية في الواقع، لكنها مقبولة جداً لدى الجميع.
في حلقة من برنامج “التاسعة” مع وائل الإبراشي، أعلنت الفنانة حلا شيحة أنها تشعر بالندم عقب تغيير شكلها، لكن مهلاً، حلا لم تكن نادمة على الفكرة، ولكن على الطريقة، وحالة التعجل التي مرت بها، والتي أفقدتها القدرة على التعبير خلال أداء دورها بصحبة يسرا.
بدأت القصة حين قامت بعمل رجيم قاس أفقدها دهون وجهها، وكذلك دهون جسدها، كما أوقعها حظها العاثر مع طبيب حقن فيلر الشفاه بطريقة خاطئة، ولم تكن لديه أولويات في التجميل، فظهرت حلا مع شفاهٍ منتفخة وهالات واسعة وأصداغ غائرة، مازلتُ أتساءل عن لحظة الجنون التي شعرتْ فيها أنَّ فمَها الذي كان يُعطي وجهَها سر الجمال يجب أن يتغير شكله… كيف فكّرت؟!
أنوف مرفوضة
لا أعرف امرأةً تشعر بالرضا عن شكل أنفها تقريباً، صديقاتي جميعهن يشعرن أن أنوفهن كبيرة، لكن حالة السخط تلك يغذيها الشكل المثالي لأنوف الممثلات، على رأسهن مي عزالدين، التي قامت بإجراء عملية تجميل لأنفها! مازلتُ أتأمل صورَها قبل وبعد، وأتساءل كيف أقدمت على خطوة مماثلة.
هنا الزاهد أيضاً أجرت عملية تجميل ندِمت عليها لاحقاً، نظراً للألم الشديد الذي شعرت به، وقالت في برنامج “معكم” مع منى الشاذلي إنها قامت بالتخلص من إحدى عظام أنفها، والتي ظلت متورمة لفترة طويلة أكثر من المعتاد، الأمر ذاته تكرَّر مع دنيا سمير غانم، التي قامت بعملية جراحية لتغيير شكل أنفها، ليختلف شكلها كلياً بين ظهورها في برنامج “إكس فاكتور” وظهورها الأول مع يحيى الفخراني، ربما لا يبدو الأمر غريباً إذا عرفنا أن نانسي عجرم الجميلة أجرت 6 عمليات تجميل لأنفها حتى تصل إلى شكلها الحالي.
لا تذكرمايا دياب عدد العمليات الجراحية التي أجرتها لتغيير الشكل العام لعظام وجهها، حتى استقرّت على شكلها الجديد، الذي يتغير من وقت لآخر، ليُفاجأ الجمهور في كل مرة، أين ذهبت المرأة القديمة التي كنا نراها من قبل؟!
رغم جمالها لم تتخلّف الفنانة اليمنية بلقيس فتحي عن الركب، فراحت تحقن وجهها بالفيلر والبوتكس، كذلك الفنانة الشابة بسمة بوسيل، زوجة الفنان تامر حسني، والتي قامت بتصغير أنفها وتكبير شفتيها مع تقويم أسنانها لتبدو بشكلها الحالي.
لم تُنكر غادة عبدالرازق أيضاً في برنامجها “مع عائشة” أنها خضعت لعملية في أنفها، وأنها تقوم بتجميل أسنانها كل عامين، أما سميرة سعيد فلم تكن راضية بدورها عن شكل أنفها، حيث قامت بعمل عملية تجميلية اعتبرتها “فاشلة” في أنفها.
جميلات حقيقيات
سباق محموم، بات الجميع واقعين تحت وطأته دون تفكير، لكن البعض يحاول استعادة نفسه مثل ما فعلته الفنانة الخليجية شيماء علي، والتي تخلت عن الفيلر ولم تتحرج من الظهور مرة أخرى على جمهورها بشكلها الطبيعي، كذلك الأمر مع لجين عمران التي تخلّت بدورها عن الفيلر.
بحسب مقاييس الجمال السائدة الآن، فإن كلاً من شادية وفاتن حمامة وليلى مراد وحتى هند رستم لم يكنَّ جميلات! بتطبيق قياسات وزوايا التناسب لا تفي أي منهن بالمعايير الصارمة التي تَصنع من الجميع نسخةً واحدةً مكرَّرة بفجاجة.
في زمن لم يكن به أي من الفيلر والبوتوكس كان الجمال طبيعياً، لا تشعر صاحبته بغضاضة من شكلها، ولا تذهب لأبعد من العناية بشعرها ووضع مساحيق التجميل التي كانت لا تزال بدائية أيضاً، مقارنة بتلك الموجودة الآن.
لكن كيف كنَّ ينظرن للجمال، وكيف حافظن عليه لسنوات عديدة؟ لم يكن الأمر يتطلب مبالغ وهمية لشراء مستحضرات باهظة الثمن، كان المطلوب للحفاظ على الجمال النوم مبكراً، وتقليل السكر، ولعب الرياضة، والحذر من الإكثار في الطعام، فضلاً عن رسم الابتسامة على الوجه مهما كانت الحالة النفسية لأي منهن!
المصدر:عربي بوست