بين المبكرة والأبكر.. صراعات الحكومة والبرلمان إلى العلن
جاءت دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإجراء انتخابات مبكرة في بلاده في 6 يونيو/حزيران القادم لتكشف النقاب عن حقيقة الوضع السياسي القائم، فالانتخابات هي مطلب الشارع وفي نفس الوقت مسألة تصفية حسابات بين القوى السياسية.
ويرى مراقبون أن تلك الدعوة هى نتيجة لصراع سياسي بين البرلمان والحكومة ولا علاقة له بمطالب الشارع، التي لا تعدو أوراق لعب بيد الأطراف والكتل السياسية، ويؤكد هذا الأمر دعوة الحلبوسي رئيس البرلمان، والتي تطالب بانتخابات”أبكر” لقطع الطريق على ما تم تسريبه عن طلب الكاظمي من رئيس الجمهورية برهم صالح استخدام سلطاته وحل البرلمان.
وفي كل الأحوال قد تقود تلك الدعوات العراق إلى النجاة إذا ما تمت في ظروف طبيعية بعيدة عن المحاصصة والطائفية وفي ظل إشراف قضائي ودستور جديد، وترك المواطن يختار بحرية، أما إذا ما ظلت تلك الأوضاع كما هي فلا جدوى من تغيير الوجوة وسيظل العراق يعاني اقتصاديا وأمنيا وسياسيا لفترات طويلة قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
موجات الغضب
قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور قيس النوري، من المعروف، إن وضع حكومة الكاظمي يواجه حرج واضح بسبب عدم قدرتها على ضبط السلوكيات العدوانية المنفلتة للميليشيات المسلحة وهو ما يصاعد موجات الغضب المشروع لشعب العراق، والذي يفضي في نهاية الأمر إلى تحميل الحكومة تبعات هذا الوضع.
وتابع أستاذ العلوم السياسية في تصريح صحفي، أن ” تصريحات الكاظمي، وكذلك رئيس مجلس النواب بشأن موعد الانتخابات لا تعدو كونها محاولة امتصاص غضبة الشارع العراقي، وكذلك القفز على المطالب الملحة لإنهاء الدور الشاذ للميليشيات المسلحة باعتبار أن الانتخابات سوف تفرز فوز وجوه سياسية جديدة كفيلة بمعالجة أوضاع العراق.
وأضاف النوري، لكن هذا يصطدم بحقائق على الأرض لن تقبل تغيير الأوضاع متمثلة بالأحزاب الدينية وقواها المسلحة ، بمعنى أن الانتخابات القادمة سوف تقع تحت تأثيرات هذه القوى ومن ثم سوف لن تتجاوز تبديل وجوه بأخرى. وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن الانتخابات النزيهة يشترط أن تتوافر لها بيئة سليمة توفر وتضمن قدرة للناخب على حرية اتخاذ القرار الصائب دون ضغوط ثقيلة من ميليشيات تمارس القتل علنا بلا خوف من مساءلة القانون.
صراع الحكومة والبرلمان
من جانبه قال أمين الحزب الطليعي الناصري بالعراق، الدكتور عبد الستار الجميلي “أعتقد أن الحديث عن انتخابات مبكرة أو أبكر، يعكس حقيقة الصراعات بين الكتل السياسية التي وصلت في عمليتها السياسية إلى طريق مسدود في ظل الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصحية المتزامنة، ومحاولة كل طرف أن يركب موجة الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، في محاولة لكسب الرأي العام العراقي الذي وصل إلى مرحلة الإحباط وعدم الثقة بالحكومة والبرلمان معا”.
وتابع أمين الحزب الطليعي من جهة أخرى يبدو أن هناك صراعا بين الحكومة والبرلمان على خلفية توارد أخبار بأن الكاظمي قد بعث بطلب إلى رئيس الجمهورية يطلب منه حل البرلمان، وبالتالي تحرك البرلمان لقطع الطريق على رئيس الحكومة بإجراء انتخابات أبكر خلال هذه السنة.
قواعد اللعبة
وأضاف الجميلي، لا اعتقد أن الحكومة والبرلمان يعيران أهمية للتظاهرات والاحتجاجات إلا بوصفها ورقة يتلاعبون بها ويكسبون الوقت من خلالها، ولم يطرأ أي تغيير على اُسلوب قمع التظاهرات والقتل المتعمد من قبل السلطات التي تتحمل جميعها المسؤولية.
وأشار أمين الطليعي إلى أنه في كل الأحوال فإن الانتخابات إذا جرت في ظل قواعد العملية السياسية الحالية، فإنها لن تحدث أي خرق أو فرق، وبالتالي فالأمر يحتاج إلى تغيير البيئة السياسية قبل أي انتخابات عبر طرح دستور جديد يلغي الفيدرالية ويتبنى نظاما رئاسيا برلمانيا مختلطا.
الطائفية والمحاصصة
ولفت الجميلي إلى ضرورة محاسبة القتلة والفاسدين على طرفي المشهد الطائفي والعنصري في بغداد وأربيل، وقانون انتخابي يقسم العراق إلى دوائر متعددة حتى مستوى الناحية، والترشيح يكون فرديا والفوز بأغلبية الأصوات في كل دائرة، مع لجنة انتخابات قضائية نزيهة بعيدة عن المحاصصة الطائفية والعنصرية والحزبية والكتل القرابية، وكل ذلك في إطار مرحلة انتقالية وحكومة مصغرة بإدارة الجيش العراقي حياديا.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إجراء انتخابات عامة مبكرة، وذلك في إطار الوفاء بالوعود التي قدمها عندما وصل إلى السلطة.
وتولى الكاظمي الحكم في مايو/ أيار، بعد أشهر من الاحتجاجات التي أجبرت سلفه، عادل عبد المهدي، على الاستقالة.
واندلعت الاحتجاجات في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واستمرت لعدة أشهر، مع خروج الآلاف إلى الشوارع في العاصمة بغداد وفي أنحاء الجنوب.
وقالت حكومة الكاظمي يوم الخميس إن 560 شخصاً قتلوا في الاحتجاجات منذ أكتوبر/ تشرين الأول، وقتل جميع هؤلاء تقريبا على أيدي قوات الأمن، وفقا لمستشار لرئيس الوزراء.
واشتكى المتظاهرون من استشراء الفساد وصعوبة الأوضاع المعيشية، مطالبين بتغيير النظام السياسي.
وشهدت أحدث الانتخابات، التي أجريت في عام 2018، أقل نسبة إقبال بلغت 44.5 في المئة، وفقا لبيانات رسمية، ويعتقد مراقبون أن الإقبال الحقيقي كان أقل بكثير.