تقرير يكشف معلومات ’مفزعة’ عن السجون العراقية
عادت السجون العراقية إلى الواجهة على صعيد المنظمات الحقوقية مع استمرار تفشي فيروس كورونا، وزيادة أعداد المعتقلين، حيث فاقت الطاقة الاستيعابية أعداد الموقوفين، في ظل عدم تحرك السلطات المختصة لحل هذه الإشكالية خصوصا في ظل الوباء المنتشر.
وفي هذا السياق، كشف المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان في تقرير عن الأوضاع البائسة التي يعيشها آلاف المعتقلين في السجون العراقية، محذرًا من كارثة إنسانية وشيكة في حال استمرار السلطات العراقية بالمماطلة في إطلاق سراحهم أو الفصل في ملفاتهم.
وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيان، إنّ تفشي فيروس كورونا المستجد في العراق، يشكّل خطرًا إضافيًا على حياة المعتقلين، خاصةً وأنّ السجون تفتقر لأدنى مقوّمات ومتطلبات الرعاية الصحية اللازمة.
وأشار المرصد إلى أنّ السلطات العراقية تعتقل أكثر 60 ألف شخص، بينهم نحو 1000 من النساء، يتوزعون على 13 سجناً حكوميًا، فضلًا عن عشرات السجون السرية التابعة للمليشيات والأحزاب وفصائل الحشد الشعبي والعشائري المختلفة.
وأوضح أنّ السلطات لا زالت تنتهج سياسة حجب البيانات الرسمية المتعلقة بأعداد المعتقلين في سجونها وظروفهم الصحية، وكذلك حالات الوفيات، خاصةً في ظل سوء ظروف الاحتجاز والإهمال الطبي وتفشي الأمراض الخطيرة والمعدية.
تصاعد حملات الاعتقال
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” دعت في 14 مايو الفائت الحكومة ومجلس النواب العراقيين إلى إقرار تشريعات تعالج أوجه القصور الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان في النظام القانوني العراقي.
وأشارت المنظمة إلى أنها طالبت السلطات العراقية “على مدى السنوات الأربع الماضية بمشاركة، أو الإعلان عن، العدد الإجمالي للأشخاص في السجون العراقية، لكنها وحتى الآن، رفضت القيام بذلك، ما جعل من المستحيل تقييم ما إذا كان الإفراج حتى الآن قد قلل بشكل كاف من الاكتظاظ الحاد وأمن مبدأ التباعد الاجتماعي”.
وكان أمين مدير دائرة إصلاح الأحداث بوزارة العدل العراقية كامل أمين حذر في 5 يوليو الفائت من اتساع تفشي فيروس كورونا في السجون، وقال إن “دائرة إصلاح الأحداث اتخذت الإجراءات اللازمة منذ فبراير الماضي بما لديها من إمكانيات متواضعة لحماية الأحداث من الإصابة بفيروس كورونا”.
وهنا لفت المرصد “الأورومتوسطي” إلى أنّ السجون تشهد اكتظاظًا متزايدًا بفعل تصاعد حملات الاعتقال، وتأخر القضاء في الفصل في ملفات الموقوفين، إذ تفوق أعداد المعتقلين الطاقة الاستيعابية للمعتقلات، خاصةً وأن السلطات لم تتخذ أي خطوات جدية لحل هذه الإشكالية حتى مع تفشي فيروس كورونا المستجد.
أحد المطلعين على الوضع داخل السجون العراقية قال لـ “هيومن رايتس ووتش” إنه يعرف عن سجن واحد على الأقل في بغداد أصيب فيه السجناء والحراس بفيروس كورونا”.
وفيما يتعلق بملف الاحتجاجات قالت المنظمة إن هناك “حاجة إلى بذل الجهود لتحديد مكان المتظاهرين الذين اختطفوا وما زالوا مفقودين، مع ضمان المساءلة الكاملة”.
سجون سرّية
ونقل المرصد عن “أ.ع”، وهو أحد منتسبي الشرطة العراقية، تأكيده وجود سجن سري في منطقة طاهر آوا بمحافظة نينوى، يتبع للواء 30، ويقبع فيه نحو 1000 معتقل، اعتقلوا بدوافع طائفية وتهم كيدية، حيث يشترط قادة اللواء على أهالي المعتقلين دفع مبالغ مالية كبيرة لقاء الإفراج عن أبنائهم.
وذكر “ك، ظ، ف” وهو من أحد منتسبي الشرطة العراقية، أنَّ اللواء 30 لديه سجون سرية أخرى في محافظة نينوى، وهي عبارة عن بيوت في منطقة القرج بمنطقة كوكجلي وتحتوي على سراديب داخلية، يتم اختطاف المدنيين من أهالي الموصل ووضعهم فيها، وتتم مقايضة أهاليهم بالمال أو يتم قلتهم.
وفي 2 يونيو الماضي، أفاد جاسم السامرائي، وهو من ضمن الأهالي الذين يعيشون في مدينة سامراء، أنّ عمليات اعتقال واسعة طالت المدنيين في المنطقة على أيدي ميليشيا “سرايا السلام” التابعة لزعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، حيث استمرت عمليات الاعتقال لمدة 3 أيام متواصلة، دون أي تدخل من الأجهزة الأمنية.
بيئة خصبة للأمراض
وبينّ المرصد “الأورومتوسطي” أن السجون في العراق تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية، فهي تفتقر للنظافة الكافية واللازمة للوقاية من الأمراض، ما يجعل منها بيئة خصبة لانتشار الأمراض الصدرية والجلدية مثل الربو، والسل، وضيق التنفس، والتهاب الكبد وغيرها من الأمراض الخطيرة والمعدية، فضلاً عن امتناع إدارات السجون توزيع المعقمات والمطهرات الصحية الضرورية لمواجهة تفشي وانتشار فيروس كورونا المستجد.
وفي 2 يوليو الماضي حذرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق من تداعيات تفشي فيروس كورونا في السجون العراقية، داعية إلى العمل على إصدار عفو عام عن الحالات التي لا تشكل تهديداً للأمن العام في البلاد.
وطالب عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق ثامر الشمري الحكومة العراقية والجهات المختصة “بضرورة التدخل العاجل لمتابعة واتخاذ الإجراءات الوقائية والتدابير الصحية اللازمة في مراكز التوقيف والاحتجاز والسجون كافة”، داعيا إلى “إيجاد الحلول المناسبة بشأن حالات الاكتظاظ الحاصلة في السجون، والتخفيف من العقوبات بحسب نوعها وإصدار عفو عام عن الذين لا تخل جرائمهم بالأمن العام، ولا تتسبب بأي خطر على المجتمع”.
من جانبه، أوضح المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، طارق اللواء، أنّ احتجاز المعتقلين يجب أن يستند إلى أسس قانونية، كما يجب على السلطات السماح للمعتقلين والمحتجزين بتوكيل محامٍ بما في ذلك أثناء الاستجواب، بالإضافة إلى نقل المحتجزين لمرافق يمكن للمفتشين الحكوميين والمراقبين المستقلين والمحامين الوصول إليها دون عوائق، فضلاً عن ضرورة الإفراج عنهم إذا لم يكن هناك أساس قانوني واضح للاحتجاز، أو لم تتمكن الحكومة من علاج الظروف اللاإنسانية أو المهينة التي يُحتجزون فيها.
محاكمة سريعة ونزيهة
وطالب المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية بضبط تصرّفات القوات التابعة لها، والتأكد من قانونية ممارساتها وخصوصا فيما يتعلق بحملات الاعتقال، والتصدي بشكل حازم للميليشيات المسلحة غير القانونية، ومنعها من اختطاف المواطنين، وإخفائهم في سجون سرية.
ودعا الحكومة العراقية، وبالأخص وزارتي العدل والداخلية، إلى تسريع التحقيقات والفصل في ملفات الموقوفين بما يضمن لكل شخص رهن الحبس الاحتياطي محاكمة سريعة ونزيهة أو إطلاق سراحه، وتحسين ظروف المعتقلين الصحية والمعيشية، وتزويدهم بكافة المواد الضرورية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، والعمل على نقل جميع المحتجزين من المنشآت غير الرسمية إلى سجون رسمية مبنية لاستيعاب المحتجزين ومجهزة لتلبي المعايير الدولية الأساسية.
وكانت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش قالت إن العراق “دخل مرحلة جديدة، فالقتال ضد تنظيم داعش انتهى عموما. ينبغي للحكومة اغتنام هذه الفرصة للتركيز على حماية الحقوق الأساسية للعراقيين وجعل قوانين العراق تتماشى مع المعايير الدولية.
نقلا عن الحرة