صحيفة أميركية: هكذا يكسب العراق حربه على الفساد
تبعث الخطوات الجريئة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في إدارة العمل الحكومي الآمال من جديد في إمكانية تجاوز البلاد مشاكلها المزمنة التي أثرت سلبا على مسيرة الانتقال من ويلات الحصار إلى عهد الديمقراطية.
وقالت صحيفة ذي هيل الأميركية (THE HILL) في مقال كتبته المديرة الإقليمية للشرق الأوسط في المعهد الجمهوري الدولي بواشنطن باتريشيا كرم إن شبح الفساد يعد أبرز أزمات العراق على الإطلاق رغم أن البلاد تعاني من مشاكل أخرى، منها الطائفية المتجذرة ومنظومة “النهب السياسي”.
وتؤكد الكاتبة أن الطريق نحو تحقيق إصلاحات ذات مغزى بالنسبة للكاظمي سيكون طويلا ومليئا بالمطبات، خاصة بعد الاغتيال الصادم للخبير الأمني هشام الهاشمي الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه “طلقة تحذيرية” للكاظمي.
فبعد ما يقارب عقدين من التحول المضطرب من عهد الدكتاتورية إلى الطموح في بزوغ فجر ديمقراطي لا يزال نظام الحكم في العراق يعاني من فساد مستشرٍ.
ورغم الثروة النفطية الهائلة التي يمكن أن تعود بالنفع على جميع العراقيين فإن الكاتبة ترى أن نظام الدولة العراقية مصمم أساسا لغسيل عائدات النفط من خلال قطاع عام متضخم لفائدة الأحزاب السياسية والقوات المسلحة شبه الحكومية دون التعرض لأي محاسبة.
ضغوط جديدة
لقد تسببت أزمة وباء كورونا وتراجع أسعار النفط في فرض ضغوط جديدة على الدولة، كما كشفت عن هشاشة البنية التحتية للمؤسسات العامة مثل المستشفيات وكليات الطب، وهي نتيجة حتمية لسياسة هدر الموارد.
وقد ظهر هذا الأمر جليا -بحسب الصحيفة- خلال أزمة كورونا الحالية، حيث عجزت المستشفيات والعيادات الخاصة عن استقبال جحافل المصابين، وعانت من نقص واضح في الإمدادات الطبية وعدم توفر معدات الوقاية لآلاف الأطباء والممرضين وموظفي القطاع الصحي.
وترى الكاتبة أن الانخفاض الحتمي لإيرادات النفط جعل من المستحيل على الحكومة العراقية الحفاظ على ما تبقى من شبكة الأمان الخاصة بها، ومن المحتمل أن تؤدي أي إجراءات تقشف إضافية إلى إشعال المزيد من الغضب في الشارع، لأن حوالي نصف ميزانية الدولة تذهب إلى رواتب الموظفين الحكوميين وموظفي الدولة ومعاشات التقاعد.
لذلك، فإن مخاطر الاضطرابات والانهيار المالي حقيقية في العراق نظرا لتداخل الأزمات، مما يزيد عدم ثقة الشارع في مؤسسات الدولة.
نظام المحاصصة
وتضيف الكاتبة أن العقبة الأكثر استعصاء في المشهد العراقي هي نظام المحاصصة الذي اعتمد عام 2003 ويعتبر أصل الفساد، لكونه نظاما يعطي الأولوية لمصالح الأحزاب على حساب الكفاءة.اعلان
وقد أدى هذا النظام إلى ثقافة سياسية تقسم سلطة الحكومة بين أعضاء الحزب الذين يحق لهم تعيين حوالي 800 وظيفة في مختلف الوزارات بموجب مفاوضات تشكيل الحكومة.
وتؤكد الصحيفة أنه مع كل انتخابات يستخدم كل حزب سياسي وزارته لتوظيف المزيد من الأعضاء والمنخرطين في صفوفه، مما أدى إلى توسيع كتلة الأجور وربط الوصول إلى سوق العمل الذي تهيمن عليه الدولة بمسألة الولاء للحزب.
كما تسببت هذه السياسة في تضخم عدد موظفي القطاع العام من 850 ألفا عام 2004 إلى أكثر من 7 ملايين في عام 2016، مع استفادة الموظفين الحزبيين بشكل أساسي.
وبهذه الطريقة، تمكنت الأحزاب السياسية في العراق من “الاستحواذ” على المؤسسات الحكومية من خلال شبكات محسوبية معقدة، كما شكلت “مؤسسات موازية” حرفت مسار الوظيفة العمومية لتحقيق مكاسب شخصية.
وفي حين أنه ينبغي الإشادة بالكاظمي وأعضاء فريقه الحكومي -بحسب الكاتبة- بسبب “الإجراءات الجريئة” التي قاموا بها فإن تفكيك شبكات الفساد التي تنخر موارد الدولة سيتطلب مزيدا من الجهود.
وسيحتاج العراق إلى نقلة نوعية وإدراك أن مشاكله ليست فقط بنيوية بل ثقافية، حيث إنه بدون تحول ثقافي غير خاضع لإشراف الدولة، وبدون تعزيز حس المساءلة لن تستطيع أي إصلاحات كسب الزخم اللازم.
وتخلص الكاتبة إلى أنه ولأول مرة منذ سنوات في العراق بات بإمكان المرء أن يثني بحذر على الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها حكومة الكاظمي لمعالجة المشاكل المزمنة التي يعاني منها البلد، لكن هناك الكثير من العمل ينتظر العراقيين قبل الاقتراب من تحقيق النصر في معركتهم ضد الفساد.
نقلاً عن الجزيرة