ترتيب الموازنة في ضوء غياب الاستراتيجيات…الأزمة الاقتصادية مستمرة
د. حسين الأسدي
طالعنا مجلس الوزراء بمسودة قرار ولحقها بقرار على أثر وجود عجز كبير في تمويل الموازنة العامة للدولة نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية وغير النفطية مما سبب ازمة مالية حادة، وبهدف تقليل آثار هذه الازمة التي ستستمر لفترة غير قصيرة ولذا صدرت مجموعة من القرارات والملاحظ عليها انها لا تتجاوز تخفيض الرواتب وتوقيف التعيينات والعلاوات والترفيعات، مع وجود بعض القرارات التي لا يمكن الالتزام بها لأنها تواجه قوانين نافذة كالقرار 15,9,8,7,6,5 فان جميعها لا يمكن العمل بها، لكن المهم في الموضوع مع اعتراف المسودة ان الازمة ستستمر لفترة غير قصيرة الا انه غابت عنها الحلول الاستراتيجية .
فتخفيض الرواتب لا يحل الازمة مجرد انه تضييق على معيشة الناس واستحقاقاتهم القانونية والدستورية، اين حل المشاكل الكبيرة والمتجذرة في الدولة ما مصير الخريجين الجدد أليست مشكلة البطالة هي الأساس في احتجاجات تشرين وما قبلها وما بعدها؟ أليس مشكلة الخدمات الأساسية الكهرباء والماء والمجاري والطرق والمواصلات والسكن اللائق وظيفة الحكومات التي لم تنجزها خلال عشرات السنيين؟ .
أليس الفساد مستمر في هدر الأموال العراقية في المنافذ والجمارك والرسوم والمستحقات الأخرى للدولة؟ أليس العراق بلاد السواد وسلة العالم والمنطقة الغذائية وهو يستورد كل شيء حتى الخضروات اليومية؟ أليس العراق الذي يمتلك موقعاً جغرافياً يصلح ان يكون مركز العبور والالتقاء للعالم؟ لا اريد ان اعدد القضايا الاستراتيجية فهي كثيرة، ولكن دعونا نتحدث عن نموذج غفلته المسودة يمكن ان يصلح اساساً لغيره من الحلول الاستراتيجية.
ان العراق هو رابع أكبر منتج للنفط الخام عالمياً بعد الولايات المتحدة الامريكية والسعودية وروسيا بحسب إدارة معلومات الطاقة الامريكية USA Energy Information Administration بقدرة إنتاجية تساوي 4,451,516 برميل يومياً، بينما كان المخطط له ان يصل الى أكثر من 12 مليون برميل يومياً.
ذكر كتاب وزارة النفط المعنون الى رئاسة مجلس الوزراء بالعدد 4981 في 30-12-2019 والموقع من وزير النفط الفقرة ثانيا: ان العراق يحتاج الى استيراد مادة البنزين Gasoline، وزيت الغاز Gasoil، والنفط الأبيض White Oil بسبب عدم كفاية الإنتاج في المصافي الحكومية وبكلفة 3.5 مليار دولار لعام 2020 وأوضح الجدول المرفق للكميات وقيمتها فالبنزين 12000 م3/ يوم بقيمة 483م3 دولار/يوم وزيت الغاز 7,000م3/يوم بقيمة 507م3 دولار/يوم والنفط الأبيض 548 م3/ يوم بقيمة 480م3 دولار/ يوم ومجموعها يساوي 3,506,925,000 دولار سنوياً، واذا اردنا الحساب بالبرميلBarrel الذي يساوي 42 جالون Gallon فالبنزين 82,800 برميل ما يعادل 3,477,600 جالون يومياً، وزيت الغاز 44,030 برميل ما يعادل 1,849,260 جالون يومياً، والنفط الأبيض 3,446 برميل ما يعادل 144,732 جالون يومياً، وبالاعتماد على إدارة معلومات الطاقة الامريكية فان كل برميل نفط بتكريره في مصافي التكريرPetroleum Refineries ينتج 19.5 جالون من البنزين Gasoline، 9.5 جالون من الديزلDiesel المقطر منخفض الكبريت يُباع معظمه كوقود ديزل أو كزيت تدفئة، 4.1 جالون من الكيروسين – وقود الطائرات النفاث Kerosene – Jet Fuel، 2.3 جالون زيوت وقود ثقيلة متبقية Heavy, residual fuel oils، 1.9 جالون غاز متبقي Still Gas، 1.9 جالون فحم الكوك Coke، 1.9 جالون غازات سائلة Liquefied Refinery Gases، 1.3 جالون اسفلت وزيت الطرقAsphalt and Road oil، 1.2 جالون مواد خام للبتروكيماوياتPetrochemical Feedstock’s، 0.5 جالون مواد التشحيم Lubricants، وتختلف عائدات المصافي من المنتجات الفردية من شهر لآخر حيث تركز المصافي عملياتها على تلبية الطلب على المنتجات المختلفة وأثناء عملها لزيادة الأرباح.
وحيث ان العراق يحتاج الى مادة البنزين 82,800 برميل ما يعادل 3,477,600 جالون يومياً، وزيت الغاز 44,030 برميل ما يعادل 1,849,260 جالون يومياً، والنفط الأبيض 3,446 برميل ما يعادل 144,732 جالون يومياً، أي ان العراق لكي يوفر متطلباته السابقة فانه يحتاج الى مصفى بسعة تكريرية مقدارها 178,000 برميل يومياً، ويأتي التساؤل ما هي قيمة مصفى بهذا الحجم؟
وكم يستغرق من الزمن لبنائه؟ وكم من الايدي العاملة تعمل لبنائه؟ وكم من الايدي العاملة يوفر في تشغيله المباشر؟ ومن الأمثلة القريبة جداً هو مصفاة ستار التركيSTAR Refinery الاستثماري الذي بدأ العمل به سنة 2011 وأعلن انتهاء العمل منه وبدأ الإنتاج رسمياً سنة 2018 وبقدرة تكريرية تصل الى 10 مليون طن متري Tons Metric سنوياً ما يعادل 200 ألف برميل يومياً وبمبلغ 6.3 مليار دولار وعمل في مراحل انشاءه 35 ألف موظف ويديره 5,300 موظف فعلاً ويوفر 1.5 مليار دولار سنوياً لتركيا SOCAR Turkey على الرغم من ان تركيا تستورد النفط الخام كونها ليست بلداً منتجاً للنفط فلا يتجاوز انتاجها 50 ألف برميل يومياً فقط، ومن المعلوم ان العمل الاستثماري يأخذ زمناً أطول بسبب التمويل ويحسب بتكاليف اعلى لأسباب تجارية، نعود مرة أخرى الى حاجة العراق فيمكن للعراق ان يبني مصفى يسد حاجته ويوفر له المشتقات النفطية Petroleum derivatives المطلوبة كما وانه يوفّر أموالاً اكبر لان العراق ينتج النفط الخام، وهناك ميزة أخرى في المشتقات النفطية انها غير خاضعة لاتفاقيات أوبك +OPEC + التي تحدد مقدار التصدير، فبإمكان العراق ان يصدّر ما يشاء دون قيود فضلاً عن الاستغناء عن الاستيراد، كما وان المشتقات النفطية لا تتأثر كثيراً بالصعود والهبوط كما هو حال النفط الخام Crude Oil، وبمعادلة بسيطة نستطيع ان نعرف مقدار ما سيوفره من أموال اذا توجّهنا الى المشتقات النفطية عوضا عن بيع النفط الخام، فاذا كان العراق يبيع النفط الخام كما حصل في الشهر الرابع من هذه السنة بـ13.8 دولار للبرميل فتكون قيمة 178 ألف برميل 73,692,000 دولار لشهر واحد، بينما قيمة 3 من المشتقات النفطية المطلوبة في العراق تساوي 288,241,200 دولار لنفس الشهر والفارق بينهما 214,549,200 دولار لشهر واحد وخلال سنة يكون الفارق بينهما 2,574,590,400 فالعراق يربح من المشتقات الثلاثة فقط اكثر من 2.5 مليار دولار سنوياً اذا جمعنا معها بقية المشتقات فنحن نتحدث عن اكثر من 3 مليار دولار هذا اذا تحدثنا عن 178 ألف برميل كيف بك اذا تحدثنا عن 10 مليون برميل يومياً لأن الحكومات العراقية المتعاقبة لو عملت على بناء المصافي النفطية لوفرت للعراق 196,629,213,483 دولار سنوياً وهو لوحده اكبر من اي موازنة عرفها العراق، واذا كنا نتحدث عن 35 ألف موظف في مراحل انشاء مصفى بقدرة 200 ألف برميل يومياً، فإننا نتحدث عن 1,750,000 فرصة عمل مؤقتة و 265,000 فرصة عمل مستمرة لو طبق العراق هذا البرنامج ولما شهدنا بطالة حقيقيةUnemployment في العراق ولا بطالة مقنعةDisguised Unemployment .
وفي الاثناء نتسائل كيف ان مصفى ستار التركي بقدرة 200 ألف برميل يومياً كلف 6.3 مليار دولار ومصفى كربلاء بسعة تكريرية 140 ألف برميل يومياً وهو بقيمة 6.5 مليار دولار والفارق بينهما 2 مليار دولار مع انه تنفيذ بتمويل حكومي كان يفترض ان يكون اقل من المصفى الاستثماري المماثل له، ولذا فهي دعوة للأجهزة الرقابية للتدقيق والتحقيق في هذا الملف، واننا اذ نتحدث عن الحلول الاستراتيجية فإننا نعتقد ان صناعة البتروكيمياويات Petrochemical Industry هي اكثر أهمية ولها دور اقتصادي اكبر في بناء العراق وحل مشاكله المالية ودخوله في مرحلة التنمية المستدامةSustainable Development .