لماذا لم تزهر ورود “الربيع العربي”؟
في منطقة مليئة بالجراح التاريخية، وبين أناس يجترون يوميا اختلافاتهم أكثر من اتفاقاتهم، لا بد أن يفشل أي مشروع يهدف للتغيير.
لا يمكن لما بشر به المشروع الغربي بين العرب أن يمر بهدوء وينجح وقلوب العرب مليئة بالخلافات الطائفية، ولا يمكن لمن اعتقد أنه يدير مشروعا للنهضة أن ينجح وهو يروج لمشروع طائفي ديني، يسلب الآخرين حقهم في المساواة.
فشل “الربيع العربي” لأنه ولد مشوها، ولم يصمد ليتنفس في جو موبوء بفيروسات التخلف والصراع والكره والأحقاد.
اعتقد الغربيون أن ما بدأ عام 2011 سيكون طريقا يسير فيه العرب باطمئنان إلى الليبرالية الديمقراطية، لكن نسي الغرب أن الليبرالية لا يمكن أن تزهر ورودها وسط قوم يختلفون حول حادثة قتل وقعت منذ 1400 عاما. كيف لمن يعيش في الماضي أن يفكر في المستقبل؟ ناهيك أن يقود شعبه تجاه مقارعة العالم المتحضر بالتحضر.
صراعات العرب كلها تدور حول الدين ومذاهبه، وقد يبدأ أحدهم معركة مصالح دنيوية ثم لا يلبث أن يحولها إلى معركة دينية بين الإسلام والكفر، ودائما ما يستحوذ على الإسلام ويجعل غيره كفارا مرتدين مشركين بغاة.
لا يمكن لنهضة ما أن تبرز من رماد التخلف، طالما يقودها شيخ التخلف نفسه، هل يستطيع الحداد أن يقنع الناس أنه أفضل بائع للورود؟
حينما تنظر فئة إلى حقوقها كطائفة دون أن تغلب الحقوق العامة لبقية الشعب، وحين تريد أن تفرض أجندتها الطائفية على بقية الشعب، في عالم يتقدم إلى التعامل مع القضايا من منظور المواطن وليس من منظور الطائفة والإمام، وأحقيته بأن يجلد نفسه في الشوارع وينظم مسيرات طائفية تخلق قلاقل وردود فعل لا مبرر لها، حينما يسمى ذلك بحقوق وتسمى الفئة التي تريد قض مضاجع الناس ممارساتها بشعائر لا غرض منها سوى تحدي الفئة الأخرى من الشعب، هنا يجب التوقف عند ذلك.
وبينما يراد لأي وطن يتقدم في مجال الحقوق أن يقوم بتوحيد مواطنيه خلف أجندة حضارية تصعد بحقوق ورفاه واقتصاد شعبه للأعلى، يجد البعض أن من المطروح في “الربيع العربي” أن تعود الأمة للوراء وتقاتل بعضها البعض لمصلحة أناس ذهبوا ولن يعودوا، وستسفك الدماء من أجل قضايا مصطنعة تستغلها دول إقليمية للسيطرة.
والمثير أيضا للرعب والخشية على هذه الأمة، أن تختطف ثوراتها لأجندات أحزاب دينية تعمل على إشاعة التخلف والظلام. ولنا في الثورتين السورية والليبية مثالان ناصعان، حيث يتقاتل أهل هذين البلدين في صفوف حزبية دينية.
ومهما حاول البعض إقناعنا أن النظام السوري بعثي علماني فالحقيقة غير ذلك، ولعل أبسط الأدلة أن تتجول في قائمة مناصريه لتجدهم تابعين للون حزبي إسلامي سياسي، يعمل تحت إمرة دولة طائفية لها أهداف توسعية.
وفي ليبيا من الذي قتل الثورة الشعبية هناك سوى أولئك المتعصبين المتطرفين الذين تحدثوا باسم الله وهم ينحرون الناس، والذين يريدون إقامة دولة الحزب الإسلامي السياسي على أرض ترفضهم، وتريد التنفس بحرية وتحضر.
وفي اليمن غير السعيد، من الذي يقود الحرب هناك سوى فئة دينية متطرفة تعتبر نفسها مقدسة وتريد تحكيم أجندتها في بلد أنهكه الفقر والمرض والجهل.
ولا تنس العراق الذي تحول تابعا لإيران ويديره ثلة من المأزومين الأيديولوجيين ممن كل عملهم هدفه مصالح أحزابهم الطائفية. وفي العراق، ذلك البلد الذي كان الجار لا يعلم مذهب جاره قبل أكثر من عقد، أصبح الآن نموذجا بائسا لمعنى الطائفية في العالم العربي، ويتجول فيه قادة إيران آمرين ناهين.
هذا هو الربيع العربي الذي حلم به البعض وعمل من أجله البعض، وهذا هو ما يريده لبلادنا أولئك الذي تتغلب عليهم نزعاتهم السياسية الحزبية، لا يهمهم أن تكون بلادنا سوريا أو ليبيا أو يمن أو عراق زمننا الحاضر، المهم عندهم أن يستولوا على الحكم، وبعدها فلتحترق الديار وقد صرحوا مرارا: وماذا لو مات المئات؟ ونسوا أن الأمر تعدى المئات ليصبح الملايين.
من منا لا يريد دولة العدالة والرفاه والاستقرار، لكن من منا يريد الفتنة والحروب الأهلية وسيطرة إيران وغيرها على قرار بلادنا. لذا لا أعاد الله هذا “الربيع العربي” المنحوس، وأعان الله تلك البلاد التي تعاني منه.