من جنرالات النازي إلى قاسم سليماني… بشرية القتل والدماء والدمار عمرو حمزاوي
لماذا يترك العالم الشعب السوري للمقتلة التي ينفذها الديكتاتور بشار الأسد وراعيه الروسي-الإيراني؟ لأن عالمنا الرديء هذا لا يعرف سوى ذبح الضعفاء وتقديمهم قربانا دائما لمجرمين ومستبدين ينتشون بالقتل وسفك الدماء والدمار ويملكون الأدوات اللازمة لذلك.
ألم يشهد القرن الماضي (فقط لكي لا نعود إلى تواريخ أبعد) من مذابح المدنيين ومن تورط الأقوياء في جرائم القتل الجماعي ومن تجاهل الضمير العالمي لصرخات الأطفال وأنين البشر ما يندى له الجبين وتتعطل معه لغة الكلام؟
أي فعل جاد لإنقاذ السوريين من المقتلة كان سيمثل انقطاعا للاعتيادي في عالمنا؛ من مذابح الأرمن ومذابح اليهود الأوروبيين إلى إبادة 27 مليون إنسان على أراضي الاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب العالمية الثانية وإلقاء قنبلتين ذريتين على اليابان بزعم إنهاء حرب كانت قد انتهت في النصف الأول من القرن العشرين، من مذابح الفلسطينيين على يد إسرائيل المتفلتة من قواعد القانون الدولي ومقتلة الفيتناميين بقنابل النابالم الأمريكية ومأساة كمبوديا ولاوس إلى إبادة مئات الآلاف في الحروب الأهلية التي اشتعلت في يوغسلافيا السابقة وفي بعض البلدان الإفريقية كرواندا وبوروندي في النصف الثاني.
أي جهد حقيقي من قبل محتكري صناعة أسلحة القتل وسفك الدماء لإيقاف المقتلة السورية كان سيعد خروجا غريبا على سوابق سياساتهم وممارساتهم.
ألم تمكن حكومات بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي السابق النازيين في نهاية الثلاثينيات من تعميم القتل والدمار في بعض مناطق أوروبا الشرقية تجنبا للمواجهة وبحثا عن مصالحها الخاصة؟
ألم ينتش الديكتاتور الألماني بالتجاهل العالمي لجرائمه الأولى ودفعه الحياد الأمريكي إلى المزيد من الاعتداءات والجرائم؟
ألا تذكركم بعض اللقطات المصورة لأدولف هتلر مبتسما وجزلا بأنباء الخراب الذي كانت جيوشه تنزله بالمدنيين أينما حلت بانتشاء الديكتاتور الأسد بتدمير مدينة حلب التي «زف بشرى تحريرها» بمساعدة راعيه الروسي-الإيراني لشعب أشبعه تقتيلا وسط قبول عالمي صامت؟
ألا تذكركم اللقطات المصورة للجنرالات النازيين وهم يتفقدون الدمار الذي ألحقته آلتهم العسكرية بالمدن السوفييتية التي كانت تسقط لهم في بدايات «العملية بارباروسا» بالصور التي التقطت منذ أيام لقاسم سليماني في حلب؟
ألا تتصرف ميليشيات الأسد مع المدنيين في حلب بذات الكيفـــية التي تعامــــلت بها إن القـــوات الأمريكية مع المدنيين في فيتنام أو ميليشيات رادوفان كارادجيتش وراتكو ميلاديتش مع مسلمي البوسنة في سربرنيتشا وغيرها من المدن؟
ألم يكن أقوياء العالم ومحتكرو صناعة السلاح في كافة هذه المواقع بين متورط ومتواطئ ومتجاهل؟
ألم يتكرر ذات النهج البائس إزاء مذابح المدنيين في رواندا وبوروندي؟
لا داعي، إذا، لتدبيج عبارات الامتعاض من عالم يترك السوريين لمقتلتهم أو إفراد الكتابات لشجب وإدانة تورط القوى الكبرى غير المتحالفة مع الأسد في تمرير القتل وسفك الدماء سلبية وصمتا وتجاهلا. لا داعي، أبدا، للتوقف أمام شكوى الرئيس الأمريكي أوباما وإدارته من وحشية الحكومة السورية وراعيها الروسي-الإيراني وكأن الولايات المتحدة بترسانتها العسكرية وأدوات قوتها الشاملة لا تملك من أمر وقف القتل شيئا. هذا العالم الرديء هو عالمنا وتواريخه الأكثر إيغالا في حفريات الذاكرة الجماعية هي تواريخ مذابح الضعفاء والقرابين الآدمية المقدمة دوما لمجرمين ومستبدين.
دعونا ننجو بشيء من العقل وسط كل هذا القتل وسفك الدماء والخراب والدمار، وسط كل هذا الجنون الذي هو حقيقة البشرية الكبرى. فإذا كان العجز عن إيقـــــاف المقتلة الســــورية يقوم دليلا على بؤس معهــــود لحكومات العرب وتهافت يعود (مع هزائم الربيع العربي) لقطاعات واسعة من مواطنيهم غير المكترثين بالضحايا سوى في حدود ما يتيحه التعاطف اللحظي مع المادة المأساوية المتداولة وسط فولكلور شبكات التواصل الاجتماعي، فالعجز العالمي يظل تجسيدا مباشرا لحقيقة البشرية المتورطة في القتل دون توقف وتذكيرا بلا واقعية أطروحات السلام والعدل والمساواة والحرية على الأرض المخضبة بالدماء.