صفقة روسية ـ أميركية في مرحلة ما بعد حلب بقلم: خيرالله خيرالله
ما الذي ستفعله روسيا بـ”الانتصار” الذي حققته على حلب واهل حلب؟ هذا السؤال مطروح بحدّة نظرا الى ان روسيا – فلاديمير بوتين في أساس كلّ ما يجري في المدينة وحولها، بما في ذلك المجازر التي ترتكبها العناصر التابعة للنظام السوري، وهي مجازر سمحت لبشّار الأسد بالقول انّه “يكتب التاريخ”. إزالة حلب واهلها من الوجود، صار بمثابة كتابة للتاريخ. انه تاريخ تكتبه أيضا المجازر التي تشارك فيها العناصر المسلّحة التي أتت بها ايران الى الأراضي السورية وتضمّ مقاتلين من “الحرس الثوري” ومن ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وافغانية وباكستانية.
يستبعد ان تهدي روسيا “الانتصار”، الذي ادّى الى تغيير طبيعة المدينة وإزالة قسم منها من الوجود وتهجير عشرات الآلاف من أهلها، الى ايران. يستبعد ان تستسلم لإيران كما فعلت الولايات المتحدة في العراق، لا لشيء سوى لانّ لروسيا حساباتها السورية التي تقوم على البناء على ما بقي من مؤسسات الدولة السورية، علما انّه لم تكن في هذه الدولة ايّ مؤسسات حقيقية باستثناء المؤسسات الأمنية التي تحوّلت مع الوقت، خصوصا منذ انقلاب الثالث والعشرين من شباط ـ فبراير 1966، الى مؤسسات يسيطر عليها فعليا العلويون الذي يشكلون اقلية قد تصل الى نسبة اثني عشر في المئة من السكّان في احسن الأحوال.
لن تكشف روسيا الأفكار العريضة لمشروعها السوري قبل خروج باراك أوباما من البيت الأبيض. الرئيس فلاديمير بوتين رجل عملي وهو يعرف ان في الإمكان عقد صفقات مع دونالد ترامب ومساعديه، على رأسهم وزير الخارجية المعيّن ركس تيلرسون الذي حقق نجاحات كبيرة في مجال الاعمال بصفة كونه رئيس “اكزون ـ موبيل” وهي من اكبر شركات النفط في العالم.
استطاع تيلرسون التعاطي مع بوتين وافراد الحلقة المحيطة به. شكا من العقوبات التي فرضتها بلاده على روسيا بسبب أوكرانيا. اتبع في كلّ وقت نهجا براغماتيا في تعامله مع القيادة الروسية وذلك حرصا على مصالح الشركة التي يمثّلها. قلّده الرئيس الروسي “وسام الصداقة” في العام 2013. تكمن اهمّية وزير الخارجية الاميركي الجديد، الذي لا يزال في حاجة الى موافقة الكونغرس على تعيينه في هذا الموقع، في انّه يعرف روسيا عن ظهر قلب. انّه يختلف تماما عن باراك أوباما ورجاله المعجبين بايران وليس بطرف آخر غير ايران من جهة والذين يجهلون كلّ شيء عن روسيا من جهة اخرى. كان ذلك كافيا كي يقدم أوباما على اكبر جريمة ارتكبتها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط عندما قبل نصائح بوتين ولم يردّ على استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي لابادة آلاف السوريين صيف العام 2013. الاهمّ من ذلك، ان تيلرسون يختلف كلّيا عن جون كيري. يعرف الشرق الاوسط والخليج، بما في ذلك اليمن، إضافة الى معرفته العميقة بروسيا. لن يستطيع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الضحك عليه كما يفعل مع كيري. “البيزنس” هو “البيزنس”. لماذا لا تكون هناك اذا صفقة روسية ـ أميركية في شأن سوريا. سيترتب في هذه الحال ان تقدّم موسكو الخطوط العريضة لمثل هذه الصفقة التي لا يمكن ان تؤدي الى سيطرة ايران على البلد، على غرار ما هو حاصل في العراق. صحيح ان النظام الايراني ارسل قوات الى حلب، صحيح انّه يمسك ببعض القوى التي تبقي بشّار الأسد في دمشق، لكنّ الصحيح أيضا ان روسيا على علاقة تاريخية بالنظام السوري ومؤسساته. عندما وضع العماد علي حبيب، وزير الدفاع، في الإقامة الجبرية بعد اندلاع الثورة السورية في آذار ـ مارس من العام 2011 لرفضه قمع أبناء الشعب السوري، فان روسيا هي التي أخرجت هذا الضابط العلوي الكبير من دمشق بحجة انّ عليه ان يتابع علاجا في موسكو!
ما يمكن ان تعرضه روسيا على الولايات المتحدة، بعد تولي دونالد ترامب مهماته رسميا في العشرين من الشهر المقبل (كانون الثاني ـ يناير 2017) هو خطوط عريض لتسوية في سوريا تضمن المحافظة على ما بقي من جيش والاستعانة بكبار الضباط فيه. معظم هؤلاء الضباط من خريجي الاكاديميات العسكرية السوفياتية ثمّ الروسية. هناك كثيرون متزوجون من روسيات. الاهمّ من ذلك كلّه، ان التسوية يمكن ان تشمل كيفية توزيع المناصب الرئيسية على الطوائف كي يبقى رئيس الجمهورية علويا، فيما يكون رئيس الوزراء سنّيا ويمتلك صلاحيات محددة وواضحة في آن، وذلك حسب نصّ دستوري. الهدف من ذلك، طمأنة العلويين الى مصيرهم. كذلك الأقليات، بمن في ذلك الدروز والمسيحيون والاسماعيليون. سيطرح في ضوء الصفقة مصير بشّار الأسد. ليس معروفا هل تشمل ابقاءه في موقعه سنة او سنتين، علما انّ ولايته الرئاسية تنتهي في السنة 2021. هذا يعني انّ روسيا تعرف قبل غيرها ان الرجل لم يعد رئيسا للجمهورية وان لا بدّ من الاستغناء في مرحلة معيّنة في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بانّ سوريا منطقة نفوذ روسية.
الأكيد، ان لا بدّ من الآن فصاعدا الكلام عن مرحلة ما بعد حلب، وهي مرحلة صنعتها روسيا التي لعبت الدور الأساسي في تدمير منازل الحلبيين على رؤوسهم. قصفت المدارس والمستشفيات. عملت كلّ شيء، مستغلة ان باراك أوباما ووزير خارجيته لا يحسنان سوى الكلام، من اجل الوصول الى مرحلة تستطيع فيها عرض صفقة على إدارة دونالد ترامب.
من سيكتب تاريخ سوريا في مرحلة ما بعد حلب؟ الأكيد انّ ليس بشّار الأسد من سيكتب تاريخ هذه المرحلة. تريد روسيا مكافأة على الجرائم التي ارتكبتها. وهذا يقود بالطبع الى التساؤل ما الذي ستفعله ايران في حال حصول الصفقة الروسية ـ الاميركية؟ من سيعطي ايران حصّة، علما انها هي التي استنجدت في خريف العام 2015 بفلاديمير بوتين من اجل الحؤول دون سقوط النظام السوري.
ستسعى ايران الى البقاء في سوريا. تعتبر انّها استطاعت تغيير طبيعة دمشق ووضعها الديموغرافي، كما استطاعت تغيير وضع كل منطقة الشريط الحدودي اللبناني ـ السوري وذلك من اجل إقامة ممرّ يربط الأراضي السورية بـ”دولة حزب الله” في البقاع اللبناني.
يظلّ البقاء في سوريا مسألة في غاية الأهمّية بالنسبة الى ايران التي تعتبر “حزب الله” اهمّ انجاز حققته خارج أراضيها منذ انتصار “الثورة الإسلامية” في العام 1979. كيف ستواجه ايران احتمال الصفقة الروسية ـ الاميركية في شأن سوريا والتي لا يستطيع فلاديمير بوتين سوى الدخول فيها اذا كان يريد إقامة علاقات اكثر من طبيعية مع إدارة ترامب والتفاهم معها في ما يخص ملفات كثيرة؟ يأتي في مقدّم هذه الملفات مناطق النفوذ الروسية وأوكرانيا والغاز والنفط واستمرار العقوبات الاميركية والأوروبية على الكرملين.