الفنان التشكيلي سعد نجم : بالبورتريت اتجهت للأصعب لأتمكن من أدوات الرسم .. والموصل مقبرة للمبدعين
حاوره : نوفل محمد
ليس من السهل أن تجري حواراً مع الفنان التشكيلي الأستاذ سعد نجم، ولكنها الجرأة في كشف أسرار حبيسة داخل فنان متخم بالخبرة والإبداع الفني والفكري، وهو من مواليد الموصل 1962، بكالوريوس فنون جميلة، له العديد من المعارض الفردية والمشتركة داخل العراق وخارجه .
يتمتع سعد نجم بقدرة متميزة على التخيل والتصور، وبحساسية خاصة وموهبة على محاكاة التفاصيل وقراءة دلالاتها، ومهارة في مزج الألوان وضربة الفرشاة، من خلال توزيع مساحات النور والعتمة وثراء الألوان أو شفافيتها هنا أو هناك باستخدام الفرشاة أحياناً والسكين أحيانا أخرى، الأمر الذي يمنح العمل كثافة وحركة تنم عن حيوية تجعل المتلقي يستشعر عواطف الشكل، إلى درجة تصل المتعة البصرية للمتلقي إلى ذرى غير مسبوقة، مستعيراً من المدرسة التأثرية جرأتها، ومن الرومانتيكة عاطفتها وثراء ألوانها، ومن الواقعية نواميسها الأكاديمية.
تجهزت له جيداً بكل ما أملك من أسلحة صحفية، ورمياتي كانت محسوبة، ومن بعيد استمع فيها صدى من فنان مبدع حكيم .
فكان هذا الحوار..
هل أعمال البورتريت صفة مميزة لك تركز عليها ولماذا ؟
أنا فنان تشكيلي درست في معهد الفنون الجميلة، وأكاديمية الفنون الجميلة.. ما جعلني أتعرف على أغلب الفنانين المعروفين من رواد فن التشكيل العراقي، فتتلمذت على يد الفنان المرحوم نجيب يونس، وفائق حسن، وحافظ الدروبي، وكاظم حيدر، واسماعيل الشيخلي، ود. ماهود احمد، وأستاذي وليد شيت، ومن خلال هؤلاء الفنانين الكبار وكل حسب تجربته تعلمت الكثير من الأساليب والمدارس الفنية ومنها، الانطباعية والواقعية والتعبيرية وحركة التجريد، أتنقل بينها كالنحلة تستقي الرحيق، إلا أن مجال البورتريت أخذ مني وقتا طويلاً لأفهم تقنية رسم الموديل وكيفية التعامل مع روحية الموديل، وإيصال ذلك الإحساس للمشاهد، ولأن المجال ليس بالسهل على الكثير من الفنانين اللجوء لرسم الموديل ذهبت لذلك المنحى الصعب لأتمكن من أدوات الرسم أكثر، كذلك لأنه فن عالمي يدرس في جميع أكاديميات العالم للمتخصصين في الفن التشكيلي.
أحب الجانب الإنطباعي بالبورتريت لكنني أسير للواقعية الروسية ..
هل البورتريت ينتمي لمدرسة عالمية ؟
رغم أنني أحب الجانب الإنطباعي في البورتريت إلا انني أجد نفسي أسيرا للواقعية الروسية في رسم البورتريت ومتأثرا بالفنان ريبين، والفنان الأمريكي نيلسون شانك.
بالرسم أوصلنا هموم الموصل إلى الكثير من دول العالم ..
ـ ما هو سبب قلّة الأعمال الفنية التي تعبر عن هموم الموصل وما تعاني منه ؟
لاتوجد قلة أعمال في تناول الموصل وهمومها فقد أقامت جمعية التشكيليين الكثير من المعارض عن الموصل بعد الدمار، وعرض معرض في لندن وآخر في بيروت، وهناك الكثير من الفنانين أوصلوا أعمالهم إلى مختلف بلدان العالم تتكلم عن الموصل وهمومها من خلال معارض شخصية أوجماعية من بعد الإحتلال ولحد الآن.
ـ في إحدى اللقاءات الصحفية قلت “هناك فجوة كبيرة بين الفنان والجمهور لعدم وجود تواصل أو وعي ثقافي عام بتراث المدينة وفنانيها “ما هو السبب؟
نعم هناك فجوة كبيرة بين الفنان والجمهور لعدم وجود وعي عام لدى الشارع الموصلي، عندما نقيم أي معرض لا تجد من يحضر المعرض غير الفنانين أنفسهم وبعض الصحفيين والأدباء، المشكلة كبيرة، حتى الدكتور في الجامعة لا يكلف نفسه أن يتابع معرضا أو يقتني عملا، والسبب أنه غير مطلع، أو قارئ غير جيد خارج اختصاصه فكيف بالإنسان العادي؟، نعم هناك بعد زمني وفجوة لايمكن ردمها إلا أن نبدأ بثقافة الطفل والتركيز على المواهب منذ الطفولة ورعايتها، وتعويد الطلبة على مشاهدة عروض فنية أو معارض أو جلسات موسيقية لنتمكن من خلق أجيال قادمة قادرة على فهم الفنون عامة لنستطيع التعامل معها .
العالم العربي يعيش ازمة ثقافة ووعي والسبب هو ثقافة الحكام ..
هل أنت مع من يقول إن الثقافة العربية تتعامل مع الفن التشكيلي كهامش من هوامشها؟
العالم العربي يعيش أزمة ثقافة ووعي، والسبب هو ثقافة الحكام، كانت الثقافة مؤدلجة تسير بمنحى ايديولوجية أي بلد، والفن التشكيلي الآن تحرر من الأدلجة بسبب الانفتاح والعولمة والفكر الحر والاتصال بالشعوب الأخرى والثقافات، لأن الفن لغة التواصل مع الآخرين، إنني أرى أن الفن تحرر من الكثير من القيود بعد التغييرات الحاصلة في المنطقة عموماً .
بشهادة الموزة.. هناك مافيا لصناعة الفن والفنانين من خلال طرحهم للإعلام والتأكيد عليهم ..
ما هي المرجعية الثقافية للفن التشكيلي؟
المرجعية الأساس للفنانين هي بشكل عام تاريخ الفن وما يتبعها من مدارس أسست لهذا الفن، أما مرجعيات الفن كشخوص أصبحت تجمعات وعلاقات مسيطرة على مشهد التشكيل العراقي، والمشكلة أنهم لم يعد يهتموا بالجوانب الأكاديمية والواقعية في الفن، بدعوى أن أي عمل فني لم يطرح تساؤلا لا يعد فنا، كأنما يلغون كل الأكاديميات التي تدرس الفن الواقعي والأكاديمي وأصبح الفن كما ثارت قبل فقرة الموزة التي علقت على الحائط وبيعت بسعر١٢٠ألف دولار، استهانة بالمشاهد والجمهور وأي قيم فنية، أصبحت هناك مافيا لصناعة الفن والفنانين من خلال طرحهم للإعلام والتأكيد عليهم.
علينا الإهتمام بفنون الطفل وتأسيس جيل جديد يهتم بالفن والثقافة بشكل عام ..
أليس بإمكان الفن التشكيلي صناعة حس مشترك بين المتذوق الفني وبين الواقع الذي يعيشه ؟
لدينا مقولة في الوسط الفني، إن من واجب الفنان الارتقاء بالحس الجمالي والفني لدى المتلقي، أنا اسأل عن بعض المحسوبين على الفن ممن يتعاملون مع منظمات مجتمع مدني تسرق جهود الرسامين الشباب لتنفيد رسومات جدارية صرفت عليها أموال طائلة لتشويه جدران مدينة الموصل للأسف بدون الإتصال بجمعية التشكيليين المتخصصة في هذا المجال وكذلك نقابة الفنانين لترشيح فنانين كفوئين في مجال الرسم والنحت .
والنحت أيضا، الآن تنفذ أعمال من قبل وسيط مقاول مع البلدية، لماذا لا تقوم البلدية بدورها المباشر مع جمعية التشكيليين لترشيح فنانين في مجال الجداريات والرسم والنحت؟، أما مسألة المتلقي والمتذوق في الفن لا يمكن أن تكون هناك صلة بين الفنان والمتلقي وهناك جهل في ثقافة الفن والتشكيل، علينا الاهتمام بفنون الطفل، وعقد مؤتمرات فنية داخل وخارج المحافظة، وتأسيس جيل جديد يهتم بالفن والثقافة بشكل عام .
الموصل مقبرة للمبدعين..!!
البلاد التي تلد المبدعين، يبحثون عن الشهرة بعيدا عن حضنها، هل فكرت بالهجرة لأنك لم تحس بقيمتك في بلدك؟
أنا سافرت إلى عمان عام١٩٩٤ وقدمت لجوءا لكني لم أحصل عليه في تلك الفترة، الكثير من الفنانين شعروا بالظلم والتعسف، وكبار الفنانين في أوربا عراقيون، مثل الفنان صلاح جياد وفيصل لعيبي وستار لقمان ونعمان هادي وعامرالعبيدي ومزاحم الناصري واسماعيل عزام وماهود احمد وستار كاووش وكفاح محمود وكريم رسن، والكثير من الأصدقاء لم يجدوا فسحة من الحرية والعمل إلا في أوربا لتأكيد ذواتهم، للأسف الموصل مقبرة للمبدعين.