بين المالكي والصدر / بقلم: سليم الحسني

أخذت حادثة الهجوم على زيارة المالكي للبصرة، أبعاداً واسعة في وسائل الاعلام العراقية، واخذت حيزاً كبيراً من اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي.

التظاهرات لم تكن بريئة، وقد جرت ضمن حسابات ثأرية بين التيار الصدري وبين المالكي. هذا أمر معروف. ويبدو ان من الصعوبة أن يزول طالما أن المصلحة المشتركة لا تجمعهما حالياً، لكنها ستنتهي وتذوب وتتحول الى تحالف وثيق فيما لو تغيرت الأجواء السياسية، والتقى المالكي مع مقتدى الصدر على نقطة اشتراك. وهذا هو الطابع العام للعملية السياسية في العراق.

أخذت الحادثة هذا الاهتمام لأن قطبيها هما المالكي والصدر، وإلا فان مثل هذه الحوادث وقعت مع شخصيات أخرى، ولم تأخذ هذا الصدى الواسع من الاهتمام.

والنقطة الأخرى التي أججت من تداعياتها البيان الذي صدر باسم حزب الدعوة في إدانة ما حدث، وجاءت فيه عبارة تشير الى (صولة فرسان) ثانية، وهي عبارة تهديدية واضحة لم يكن من المناسب ذكرها، كما أن البيان بشكله العام كان ضعيفاً لا يُعبّر عن هموم واهتمامات وآفاق حزب عريق مثل حزب الدعوة الاسلامية.

كان من الممكن تقبل البيان، وتصنيفه في سياقه الطبيعي فيما لو صدر من أحد نواب البرلمان الثانويين، أو من شخص مستجد في العمل السياسي. واعتقد ان كتابته جرت بقرار من اشخاص متشنجين، أرادوا الظهور بمظهر الاخلاص للمالكي، وهذه هي المشكلة القديمة التي دفع هو ثمنها باهضاً، ومضى عليها بعد انتهاء ولايته الثانية، وكان الأجدر به أن يُبعد عنه هؤلاء الذين لم يخلصوا له النصيحة، أو على احسن تقدير لم يكونوا بمستوى التفكير والفعل السياسي المسؤول.

…

بالعودة الى الحادثة، فان التظاهرات لو انطلقت ضد المالكي بصفته الرسمية كنائب لرئيس الجمهورية، فهو تعبير مقبول من مواطنين غاضبين ضد مسؤول حكومي، وقد حدث ذلك من قبل مع الشهرستاني، وحدث مع غيره ايضاً.

لكن التظاهر ضده بصفته الحزبية، فهذا أمر غير صحيح، لأن معنى ذلك هو تقسيم الجمهور على جماعات متناحرة، تهاجم كل واحدة منها رئيس الكيان الذي تخاصمه. وهذا سلوك مرفوض لما يترتب عليه من آثار فوضوية. بل أنه يعني تمزيق داخلي للصف الشيعي الذي يعاني اساساً من الاختلافات بين مكوناته.

الاحتفال كان مناسبة إسلامية رفيعة المضمون، وهي المولد النبوي بما يمثله من مكانة في حياتنا وعقيدتنا، وكان من الواجب على المتظاهرين احترام هذه المناسبة الكبيرة لصاحب الرسالة النبي الأكرم (ص).

والاحتفال كان في نفس الوقت لحزب الدعوة، ومن حقه ان يقيم احتفالاته، كما هو حق كل المكونات، وكان على قادة المتظاهرين إحترام الشخصيات المؤسسة لهذا الحزب وعلى رأسهم الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، فالمناسبة هي في ذكرى تأسيس الدعوة. وليست خاصة بالمالكي ولا بأي فرد من أفراد القيادة الحالية.

…

خلاصة القول أن التظاهرات كانت تتحرك بدوافع ضيقة لتصفية حسابات شخصية معروفة بين المالكي والصدر. وردة الفعل التي جاءت في البيان كانت بنفس الدرجة من الرؤية الضيقة، وهذا ما جعل الواقعة تبدو بهذه الضخامة.

نأمل ان يتوقف المالكي عند ما حدث، ليعيد النظر في الأشخاص الذين يحيطون به، وستكون خطوة ايجابية منه عندما يبعد المتشنجين والمنتفعين من حوله، كما ستكون خطوة تستحق التقدير لو كان المبادر الأول في كشف الفاسدين علناً وطردهم من حزب الدعوة.