لصحة النفسية للأطفال تساهم في إنحاف البدناء منهم بنسبة تفوق النظم الغذائية.. دراسة تؤكد ذلك
روبن كوسلويتز.
تشير البحوث الجديدة، التي قدّمتها الجمعية الأوروبية لطب القلب، إلى أنَّنا كنا نمضي قدماً في معالجة السمنة عند الأطفال بطريقة خاطئة. ينبغي لنا تعليم الأطفال مهارات ضبط النفس وإدارة المشاعر بدلاً من التركيز على المعرفة الغذائية.
تأمل السيناريو النمطي الآتي: جاسون، طفل يبلغ من العمر 10 سنوات ويعاني زيادة في الوزن بنسبة 90%، ومن ثمَّ، طلب طبيب الأطفال من والدته، أندريا، إلزامه باتّباع نظام غذائي.
قالت أندريا: «لا يستطيع ابني التخطيط لخمس دقائق قادمة. كيف عساه إدراك العلاقة بين تناول الطعام الصحي الآن وتجنُّب الموت بنوبة قلبية بعد 10 سنوات؟». تبدي إحدى الأمهات الأخريات، وتُدعى سارة، موافقتها على هذا الكلام قائلة: «ابني عفوي ومندفع للغاية، يضع في فمه كل ما تشتهيه عيناه. تُعتبر الرغبة في الإشباع الفوري إحدى السمات المميزة لاضطراب فرط الحركة وقصور الانتباه، الذي يعانيه طفلي، بالإضافة إلى أنَّه مقاوم بشدة للتغيير. كيف سأجعله يُجرّب تناول الخضراوات، فضلاً عن جعلها الجزء الأكبر من نظامه الغذائي؟ ينفطر قلبي عند رؤيته يتوقف لالتقاط أنفاسه في منتصف صعوده الدرج. كيف أستطيع مساعدته على التغيير بشكل واقعي؟».
هذا السيناريو لا يُمثّل مشكلة أندريا وسارة وحدهما، فقد قدّرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها انتشار السمنة بنسبة 18.5% بين الشباب في عامي 2015و2016، إذ يعاني السمنة نحو 13.7 مليون نسمة من الأطفال وصغار البالغين.
العلاقة بين اضطراب فرط الحركة وقصور الانتباه والسمنة مثيرة للجدل إلى حدٍّ ما. لكن على الرغم من الصورة النمطية للطفل، الذي يعاني هذا الاضطراب، بأنَّه نحيف وذو نشاط مفرط ولديه طاقة كبيرة طوال الوقت، يعاني عديد من الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وقصور الانتباه زيادة الوزن. ومع تطوُّر أنظمة الألعاب الآن، قد تكون مصاباً بفرط الحركة من دون حتى مغادرة مقعدك أو وجباتك الخفيفة. في دوراتي التدريبية بمعهد «Targeted Parenting»، كثيراً ما يسأل الآباء والأمهات عن كيفية مساعدة الأطفال الذين يعانون اضطراب فرط الحركة وقصور الانتباه، للبقاء ملتزمين بأهداف مثل الأكل الصحي.
تطبيق «Kurbo«
أطلقت مؤسسة «Weight Watchers» الأمريكية في الآونة الأخيرة، تطبيقاً يُدعى «Kurbo»، يهدف إلى مساعدة الأطفال على إنقاص الوزن. استجابت جماعات حقوق الطفل والأطباء والمعالجين على نحوٍ سريع وغاضب. ونُشرت عريضة على الإنترنت، جمعت 87 ألف توقيع، تطالب مؤسسة «Weight Watchers» بسحب التطبيق بسرعة. اتُّهم التطبيق بترويج سلوكيات غذائية غير صحية وربما تعزيز اضطرابات الأكل. كانت المشكلة المُحدّدة تتمثَّل في تصنيف التطبيق للأطعمة باستخدام «نظام إشارات المرور» التقليدي. فكما في إشارات المرور، يعني اللون الأخضر «انطلِق»، أي «تناولْ مزيداً من هذا الصنف»؛ واللون الأصفر يعني «تحرَّك ببطء»، أي «تناول هذا الصنف باعتدال»؛ واللون الأحمر يعني «توقَّف»، أي «امتنع عن هذا الصنف أو اكتفي بتناوله بصورة عابرة».
يشير عديد من الباحثين إلى أنَّ ثمة إشكالية في الترويج لمفهوم الطعام «الخاطئ» أو «السيئ». إذ سيتحدث كثير من المراهقين أو البالغين عما هو «جيد» و «سيئ» بناءً على النظام الغذائي. ويصبح الأمر على النحو الآتي: «اليوم كنت سيئاً، يتعيَّن عليَّ الركض ميلاً إضافياً غداً»، أو إرجاع الإحساس بالصلاح والفضيلة إلى التزامهم النظام الغذائي. قد يُمثّل هذا التصوّر مشكلة مع تصاعد هاجس تناول الأطعمة الصحية.
هل التثقيف الغذائي كافٍ لإحداث تغيير في السلوك؟
ثمة مشكلة أخرى مع تطبيق «Kurbo» لم يلتفت إليها كثيرون. معرفة الأطعمة «الجيدة» و «السيئة» لا تساعد الأطفال فعلياً على اتّخاذ خيارات صحيّة. ببساطةٍ تشير الأبحاث التي نشرتها مؤخراً الجمعية الأوروبية لطب القلب، إلى أنَّ تزويد الأطفال بالمعرفة الغذائية لا يعتبر وسيلة فعّالة كافية لتغيير السلوك.
في إحدى الدراسات بالبرازيل، قسَّم باحثو برنامج «The Happy Life, Healthy Heart 10 مدارس عامة على مجموعتين: «مجموعة تدخُّل أو مجموعة مراقبة». تستخدم المدارس التابعة لمجموعة المراقبة منهجاً موحداً للتغذية والصحة.
أضاف الباحثون عنصراً مثيراً للاهتمام إلى المدارس التابعة لمجموعة التدخُّل، فقد درَّبوا المُعلّمين على تدريس التغذية والنشاط البدني، لكنهم أيضاً علَّموهم طرق تدريس مفاهيم مثل تغيير العادات، والتعامل مع الضغوط، والصحة النفسية والعاطفية، وكيفية إدارة أحوال المعيشة.
وقبل إجراء الدراسة، خضع جميع المشاركين -طلاباً ومدرسين- لتقييم من أجل جمع بيانات أساسية، من بينها الوزن والطول والنشاط البدني ومقدار الحصة الغذائية. وثمة تقييم آخر خضع له الطلاب فقط، وليس المُعلّمون، من أجل معرفة مدى معرفتهم المسبقة بمجال التغذية والممارسات الصحية.
شُجّع المُعلّمون بالمدارس التابعة لمجموعة التدخُّل على التعديل في المواد الدراسية، ومُنحوا إمكانية إدماج الدروس ضمن محتوى وضعوه بطريقتهم الخاصة. ولتشجيع تحقيق مشاركة أكبر، وُجِّهت الدعوة إلى المعلمين لتبادل الأفكار والتواصل مع الباحثين على مواقع التواصل الاجتماعي.
التعلُّم الاجتماعي والعاطفي أضاف فائدة كبيرة:
تعلَّم الطلاب، في مدارس المجموعتين، أشياء كثيرة عن التغذية والصحة. ومع ذلك، لم يتغيَّر سلوك الطلاب إلا في مدارس مجموعة التدخل. فقد زادت نسبة الطلاب الذين التزموا توصية تجنُّب الوجبات السريعة بنسبة 15%، وزادت نسبة الطلاب الذين اتبعوا توصية تجنُّب المشروبات غير الكحولية السكرية بنسبة 20%، فضلاً عن تسجيل زيادة في النشاط البدني للمُعلّمين بنسبة 28%.
لتغيير السلوك، انظر إلى السبب:
في العلاج السلوكي، نُحلّل وظائف السلوك من أجل إحداث تغيير دائم. مَن منَّا لم يلجأ في مرحلة ما من حياته إلى تناول الطعام للتخلّص من المزاج السيئ؟ الأطفال يشبهون البالغين تماماً، قد يكون الطعام بمثابة مهدئ قوي للنفس وأحد مسببات السعادة. ليس من قبيل المصادفة أنَّ معظم «أطعمة الترويح عن النفس» مثل الشوكولاتة أو الآيس كريم (أو الآيس كريم بالشوكولاتة) مليئة بالكربوهيدرات، إذ تميل إلى رفع مستويات هرمون السيروتونين لدينا عندما نشعر بالانزعاج والإحباط.
من خلال الانتباه إلى دور الطعام باعتباره مهدئاً للنفس، تُقدّم الدراسة رؤية جديدة مثيرة، للحد من مشكلة السمنة، مفادها: هيا نعلّم الأطفال مهارات لتهدئة النفس ومدى قوة النشاط البدني في الترويح عن النفس.
استخدام عناصر الألعاب في مجال خسارة الوزن «تلعيب خسارة الوزن»:
ينظر أولئك الأشخاص الذين يشيطنون تطبيق «Kurbo»، إلى جميع الأطفال باعتبارهم متشابهين. في الواقع، لا يوجد شيء اسمه «طفل عادي»، كل طفل له شخصية مُحدّدة بتكوين عصبي مُحدّد خاص به. في فصولي التدريبية، فإنَّ إحدى المشكلات الرئيسية هي السلوك الصحي والغذائي. تعتبر أندريا وسارة نموذجاً للأمهات اللاتي يحضرن فصولي الخاصة برعاية وتربية الطفل المصاب بقصور الانتباه، ويكافحن من أجل مساعدة أطفالهن على تعلّم عادات غذائية صحية.
لقد وجدنا أنَّ استخدام عناصر تصميم الألعاب لتعليم دروس تسهم في تغيير السلوك وتُحفّز المشاركة مثل الحركة وحساب عدد الخطوات والمسافة، التي قطعتها يوماً بعد يوم، تنجح على نحوٍ جيد للغاية. كذلك، استخدام أجهزة بسيطة لتتبُّع اللياقة البدنية متوافرة في أي صيدلية يفيد أيضاً بشكلٍ جيد. إذا حدَّدنا هدفاً -عدد معين من الخطوات في الساعة كل يوم، وممارسة تمارين رياضيةٍ مدة معينة- ووضعنا مكافآت افتراضية (شارات، ونجوم، وتهنئة عبر البريد الإلكتروني)، بالإضافة إلى مُعزّزات سلوكية، سيمتثل الطفل الذي يعاني تشتت الانتباه. يبدو أنَّ تطبيق «Kurbo» محاولة لإضفاء طابع الألعاب على السلوكيات الغذائية السليمة.
نتعلَّم أيضاً، في فصولنا التدريبية، كيفية مساعدة الأطفال على تحقيق مهارات التعامل مع الضغوط والتنظيم العاطفي وقبول الذات. بينما يجري تدريس تلك المهارات باعتبارها مهارات حياتية، توضح الدراسة، التي أُجريت على 10 مدارس في البرازيل، أنَّهم قد يعتبرون أيضاً أدوات لإدارة الوزن.
قبل شيطنة التطبيق، ضع في اعتبارك أولئك الأطفال الذين يفتقرون إلى القدرة على التخطيط للمستقبل، والذين لا يمكنهم الربط بين «التغذية الآن والصحة لاحقاً». بدلاً من ذلك، دعونا نكن عمليين ونتعلم من مجموعة متنوعة من المصادر. دعونا نُعلّم الأطفال التنظيم العاطفي. دعونا نُضف طابع الألعاب على مجال التغذية والنشاط البدني. دعونا نستخدم كل الموارد المتاحة لدينا، بدلاً من ازدرائه