بين النظرة الغربية والإسلامية.. كيف نتعامل مع مديح الأشخاص؟
معاذ الشحمه
المدح والنقد عند الإسلام.. يقول عمر بن الخطاب الصحابي الجليل: “رحم الله امرؤ أهدى إليّ عيوبي”. ويقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” رواه مسلم. ونحن نقول بأننا عندما نخطئ أو نصيب فنحن نريد المدح ولا نريد النقد، وكل من يروج للنقد البناء فهناك خلل في طريقته، فهل يوجد هناك منعطفات مستقيمة؟ وهل يلتقي الهدم مع البناء؟ فكيف يصبح الهدام بناءً؟ وفي قول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب في أنه أهدى، فهو دقيق في عبارته، فهل تكون الهدية مزينة ومزخرفة أم تكون بدون زينة أبداً، وفي قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن الدين النصيحة، فالنصيحة خلق وليست بسلوك، فهي تنزل وتطبق بعدة مناحي، إما أن تنزل بمنزل النقد وإما بمنزل المدح.
كيف كانت طريقة الرسول في مدحه ونقده للآخرين؟
أما عنه صلى الله عليه وسلم ففي سنته الشريفة قد ألفت المؤلفات الضخمة في مدحه للصحابة، ولم يكن ينتقد أبداً فقد عرف حافظ الحديث أبو هريرة، وسيف الله المسلول خالد، والفاروق عمر، وذي النورين عثمان، والصديق أبو بكر.. وغيرها من مدحه الكثير. أما إذا انتقد صلى الله عليه وسلم فإنه كان ينتقد على طريقة ما بال أقوام، أي كان لا ينتقد شخصاً بعينه، وأريد أن أسألك سؤالاً يوضح الفكرة، لن يوجد شخص على وجه الأرض يعرف منهم هؤلاء الثلاثة، من هم هؤلاء الثلاثة رهط الذين قال أحدهم أنا أصوم ولا أفطر، والآخر قال أنا أقوم الليل ولا أنام، والآخر قال أنا لا أقرب النساء، فلا يوجد شخص يعرفهم على وجه الأرض بل هم ثلاثة رهط.
الطرق التي اتبعها الغرب في مدح ونقد الآخرين
إن النفس تكره النقد بطبيعتها وتحب وتميل للمدح، وإن ثلثي الحكمة في التغافل، فتغافل عن زلات الآخرين ولا تنتقد زلاتهم إن كنت قادراً على الصبر عليها، وفي حالات نادرة حيث يكون قد تكرر الفعل
وكانت طريقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي النصيحة بالمدح، وقد توصل الغرب لعدة نظريات في توجيه النقد، فمنها نظرية أن تمدح الشخص وبعدها تقول لكن ثم تنقده، وقد فشلت طريقتهم لأنهم وجدوا بأن لكن تنسف ما قبلها. ثم ذهبوا إلى نظرية المدح ثم النقد بدون أن تقول لكن، ولكنها فشلت أيضاً كأن تقول لأحدهم أنت رائع وممتاز وإنما أنت لا تفهم، فأيضاً أثبتت فشلها، ثم ذهبوا لنظرية السندويتش التي تفسر بأن تمدح الآخر ثم تبطن النقد في الوسط ثم تختم بمدح، كأن تقول لأحدهم أنه جيد ورائع ثم تقول له أنت لا تفهم ثم تختم ولكن أنت عموماً إنسان رائع.
نظرية “النصيحة بالمدح” عند الإسلام
ونحن لدينا في الإسلام نظرية النصيحة بالمدح التي تفوقت على الغرب بعدة قرون وهي أفضل من نظرية السندويتش، وتعني نظرية النصيحة بالمدح بأن تطلب من الآخر ما تريده منه عن طريق المدح وليس عن طريق الذم أو النقد أو التحبيط.
أمثلة عن نظرية “النصيحة بالمدح”
ولنوضح الطريقة فعندما كنا جالسين لخطبة الجمعة فإذا بالخطيب يصعد على المنبر وبعد أن بدأ يخطب فإذا به يشتم المصلين ويشتمنا، فقال لنا بأننا أصبحنا كالبهائم، وكنت قد أخذتني خفوة فعندما شتمنا انتبهت لما سيقول لنا بعدها ولا أدري إن انتبه المصلون أم لا أما أنا فقد انتبهت لكي أحفظ ما قال، ثم أكمل قائلاً لقد أصبحنا كالبهائم نأكل ونشرب وننام ولا نقوم نصلي الليل، فماذا كان يريد أن يوصل لنا رسالته هذا الخطيب مشكوراً بعد أن أحبطنا وثبطنا وأنزل معنوياتنا؟
فإذا بي بموقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما غفل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن قيام الليل، فلم يقل له صلى الله عليه وسلم بأنه أحمق أو كالبهيمة يأكل ويشرب وينام ولا يقوم الليل حاشاه صلى الله عليه وسلم، بل قال له نعم العبد عبد الله بن عمر لو كان يقوم بالليل، فهو قدم له النصيحة عن طريق المدح، فقال له نعم العبد عبد الله بن عمر، وكذلك في قصة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ذي المكانة الرفيعة بين الصحابة رضوان الله عليهم عندما مر بالكندي عندما سمعه يدندن ويغني ولم يكن قد مر على إسلامه يوم أو يومين، فلم يقل له شيئاً من قبيل مزامير إبليس أو مزامير الشيطان حاشاه رضي الله عنه، بل قال له ما أجمله من صوت لو كان في كتاب الله، ولم يسمع الكندي بعدها مدندناً حتى بينه وبين نفسه إلا في كتاب الله، فهذه هي طريقة النصيحة بالمدح.
إن النفس تكره النقد بطبيعتها وتحب وتميل للمدح، وإن ثلثي الحكمة في التغافل، فتغافل عن زلات الآخرين ولا تنتقد زلاتهم إن كنت قادراً على الصبر عليها، وفي حالات نادرة حيث يكون قد تكرر الفعل، وزادت الأذية مع مرور الوقت من جراء ذاك السلوك أو التصرف ولم تطق التحمل، فعليك بطريقة النصيحة بالمدح التي تتفوق على نظرية السندويتش التي ابتدعها الغرب، وهي سنة نبوية فعليك بها، وقل للآخرين ما تريد منهم وليس ما لا تريد بطريقة المدح، ووضع صورة إيجابية لهم عن أنفسهم