الدبلوماسية العراقية الجديدة: التحول من الانكفاء الى إعادة التموقع والانتشار
اعداد : أميرة احمد حرزلي، باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
انهكت سنوات الاحتلال الأمريكي وما تبعه من انتشار للإرهاب و نظام ” المحاصصة” والعقوبات الغربية أنهكت بلاد الرافدين حتى انكفأت على نفسها للإصلاح وإعادة البناء ، اما اليوم ومع ما يشهده الإقليم العربي سواء في المشرق او الخليج العربيين من تطورات دراماتيكية خطيرة بات لزاما على العراق التحول نحو إعادة التموقع و الانتشار من خلال متابعة ما يجري من حولها والتعامل مع كل التطورات بجدية و بشكل عملي باعتبار العراق جزء اصيل من هذه المنطقة.
ليس ذلك فحسب بل ان محددات الدور العراقي من الموقع الجغرافي الاستراتيجي في قارة اسيا المطلة على الخليج العربي ومنطقة المشرق العربي ما يجعلها في تماس مباشر مع دول إقليمية صاعدة كتركيا و ايران ، اما من الناحية الحضارية يعد العراق مركز حضاري قديم لما تتميز به حضارة بلاد الرافدين او بلاد ما بين النهرين ( دجلة و الفراث) من عراقة حيث امتدت حضارة بلاد الرافدين او الحضارة السومرية الى سوريا و بلاد فارس و منطقة جنوب شرق الاناضول تركيا حاليا ، ووجدت اثارها أيضا في الكويت و البحرين، وهو ما يدل على ان العراق كان على اتصال و انفتاح مع الحضارات القديمة الأخرى في مصر و الهند.
كما تضطلع الطاقة ( البترول و الغاز) بدور رئيسي في السياسة الخارجية ، فارتفاع انتاج الغاز في العراق الى 1.4 بليون قدم مكعب بحلول عام 2020 يرفع موقع العراق في الدول المنتجة للغاز ، إضافة الى ذلك وجود استثمارات كبيرة في مجال التنقيب عن النفط خاصة في البصرة جنوب العراق.
كل تلك العوامل تمثل قوة للدولة العراقية بات يعي أهميتها جيدا وكيفية استثمارها بما يخدم المصالح العراقية في المنطقة التي تعترضها الكثير من التحديات أبرزها في الراهن الصراع الأمريكي ــ الإيراني، والعراق هنا ليس بمنأى عما يجري سواء في منطقة الخليج والمشرق العربي وهو معني بالتطورات الحاصلة أكثر من غيره انطلاقا من النفوذ السياسي للولايات المتحدة الامريكية و إيران في العراق.
تنبه العراق سريعا من ارتدادات الصراع الأمريكي ــ الإيراني عليه وبدأت الدبلوماسية تأخذ خطوات عملية ملموسة للحفاظ على المصالح العراقية من جهة والتخفيف من التصعيد الحاد عبر قنوات الحوار والوساطة والتحركات الدبلوماسية العراقية مع الطرف الإيراني والأمريكي وأطراف عربية أخرى سوريا والاجتماع الثلاثي العراقي ــ المصري ـ الأردني تهدف كلها لحل الازمات بطرق دبلوماسية بدل الحرب.
انطلاقا مما سبق هل ستنجح الدبلوماسية العراقية الجديدة في التخفيف من التصعيد الراهن في منطقة الخليج العربي والمشرق العربي؟ وما هي الاليات العملية في سبيل تحقيق ذلك؟.
نبحث في الموضوع من خلال المحاور التالية:
دور الوساطة العراقية في التخفيف من التصعيد الأمريكي ـ الإيراني: انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق النووي الإيراني بشكل احادي وعودة العقوبات الغربية على إيران ومنعها من تصدير نفطها كانت النقاط التي فجرت الصراع التاريخي بين الخصمين الايراني والأمريكي، فأصبح الخطاب السياسي بين الطرفين مليء بالاتهامات حتى بتنا نتوقع الحرب بين لحظة وأخرى، وحتى لا تأتي لحظة الحرب المتهورة تلك سارعت العراق الى طرح وساطتها خشية ان تتضرر العراق بعد ان هدأت الأوضاع الداخلية نسبيا، بحسب مصادر إعلامية فاءن مبادرة الوساطة العراقية تجري فعليا على مستوى سياسي حكومي والهدف منها خفض التوتر الحاصل في منطقة الخليج ، وانطلاقا من موقع العراق الجغرافي وعلاقاته بدول الجوار و الأطراف تؤهله للاضطلاع بهذا الدور الفاعل[1].
وتؤكد ذات المصادر حالة التصعيد بلغت ذروتها ما دفع السيد عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة في البرلماني العراقي لطرح مبادرة الوساطة بحكم علاقته القوية بطرفي التصعيد ايران و الولايات المتحدة التي تهدف الى دعم الاستقرار في المنطقة، وقد جرت جلسات الحوار بأطراف التصعيد بشكل شبه سري برعاية رسمية عراقية، ونتجت تراجع في التصعيد، لكن هاجس وجوع مواجهة مازال مطروحا.
وقد عبر العراق عن قلقه من التصعيد الجاري الذي يمس امن المنطقة عموما والعراق بشكل خاص، لذلك من الواجب العمل لتجنب أي عمل يهدد أمن المنطقة، وفي هذا الصدد قال الحكيم عند استضافة قائم بأعمال السفارة الامريكية في بغداد جوي هود ” دعونا الى يكون ذلك مقدمة للوصول الى حلول مناسبة، وتجنيب الشعوب ويلات الحروب وسياسات الحصار [2].
مكافحة الإرهاب في العلاقات العراقية ــ السورية: عكس ما تفعله دول أخرى بانخراط في مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق بطريقة أحادية دون تعاون مع حكومتي البلدين، تسعى العراق وسوريا الى إرساء دعائم التعاون الفعلي لمكافحة التنظيمات الإرهابية سواء تنظيم ” داعش” أو ” جبهة النصرة “…
فزيارة القائم بأعمال المؤقت المستشار نصير العزاوي في دمشق وزير الأوقاف السوري السيد محمد عبد الستار السيد تندرج في إطار التنسيق بين الجانبين لمكافحة الإرهاب خاصة عبر الحدود العراقية السورية، فحسب موقع وزارة الخارجية العراقية قدم القائم بالأعمال العراقي قدم نسخة من الاستراتيجية الوطنية العراقية لمكافحة التطرف المؤدي للعنف[3]، ويتزامن هذا من افتتاح سوريا معهد الشام الإسلامي لمكافحة الإرهاب والتطرف وقد سخرت له امكانيات لتدريب وإعادة تأهيل الائمة و الخطباء وتأهيل المجتمعات المتضررة من سيطرة التنظيمات الارهابية وإعادة كتابة المناهج التدريسية في محاولة لاحتواء مخاطر انتشار الإرهاب و التطرف.
لم يتوانى الجانبان السوري و العراقي في التعبير عن إمكانية التعاون وتبادل الخبرات في هذا المجال وذلك وفق خطوات عملية ، تجدر الإشارة ان طيلة تسع سنوات من الحرب على سوريا ابدى الجانب العراقي مرونة حيث طرح فكرة التعاون العراقي السوري ضد التنظيمات الإرهابية على الحدود، رغم انزعاج امريكي وخليجي واضح من هذه الفكرة.
الاجتماع الثلاثي (العراق ـ الأردن ـ مصر) لتخفيف التوتر في الخليج العربي: في سياق المساعي العراقية لتهدئة الأوضاع في المنطقة، استضافت بغداد أمس اجتماعا ثلاثي لوزراء خارجية كل من العراق محمد علي الحكيم ، مصر سامح شكري ، الأردن ايمن الصفدي والهدف منها حسب المجتمعين هو مناقشة القضايا الأمنية و الاقتصادية المشتركة وعلى راسها تخفيض التوتر الحاصل في المنطقة على خلفية الصراع الإيراني ــ الأمريكي، ويرجح محللون ان الاجتماع الأخير هو امتداد للاجتماع الأول الذي عقد في مارس مطلع العام الجاري بالقاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي و الملك الأردني عبد الله الثاني .
وفي المؤتمر الصحفي المشترك ادلى وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي ان الاجتماع الثلاثي بحث خفض التصعيد في منطقة الخليج العربي، والقضية الفلسطينية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وذكرت وزارة الخارجية ان الاجتماع الثلاثي ناقش موضوع تعزيز العلاقات العربية وترسيخ مبدأ التعاون الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب وصولا الى بسط الامن وتثبيت الاستقرار، بجانب دعم العراق في القضاء على بقايا داعش وتامين عودة النازحين[4].
اذن الاجتماع الثلاثي هو بمثابة اعلان على خفض التوتر في منطقة الخليج العربي التي يجب ان تتبع باجتماعات أخرى تفضي الى وضع اليات عملية ملموسة لتحيقي ذلك.
خاتمة:
تحول متوقع ذلك الذي طرأ الدبلوماسية العراقية فبعد الاثار الخطيرة التي تركها الاحتلال الأمريكي عام 2003 في كافة المجالات السياسي والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية والتحديات التي ما تزال تواجهها العراق نتيجة ذلك لم يمنع من ان تأخذ الدبلوماسية العراقية زمام المبادرة العربية وتضطلع بدور إقليمي هادف وبناء يدعو للاستقرار والامن.
مهمة العراق في تخفيف التصعيد في منطقة الخليج في الواقع صعبة صعوبة التوفيق بين السياسة الإيرانية والاستراتيجية الامريكية، لكنها ليست مستحيلة اذا أظهر الطرفان مرونة وجدية في انهاء التصعيد.
من ناحية أخرى ان ما يشهده الإقليم العربي في المشرق والخليج العربي من حروب وتصعيد وتهديد بالحرب هو من مسؤولية كافة الدول العربية وليس من مسؤولية العراق وحده بل يجب تضافر الجهود والاستفادة من الخطوة العراقية ودعمها والبناء عليها عبر تعزيز إجراءات بناء الثقة والعمل العربي بشكل جدي ومشترك
[1] ـ الكشف عن وساطة عراقية لتخفيف التوتر بين ايران و الولايات المتحدة ، 20 / 05 / 2019 ، موقع روسيا اليوم ، على الرابط الالكتروني:
[2] ـ المرجع نفسه.
[3]ـ القائم بالأعمال المؤقت في دمشق يلتقي وزير الاوقاف في الجمهورية العربية السورية ، موقع وزارة الخارجية العراقية، 31 / 07 / 2019 / على الرابط الالكتروني:
[4] ـ فاضل النشمي ، اجتماع ثلاثي في بغداد لخفض التصعيد بالمنطقة ، موقع الشرق الأوسط ، على الرابط الالكتروني:
.