الحملة الوطنية العربية لمحو الإرهاب الإيراني العرب حامد الكيلاني رصد عراقيون
كنا نتعمق في نقد المؤسسات التعليمية ونصفها بالأسوار الأكاديمية، ماذا نقول وقد وصلنا إلى دولة محاطة بأسوار الميليشيات. أي نقد يحطم تلك الأسوار ويعيد الأوطان لشعوبها غير حملة وطنية وقومية عربية شاملة.
التعليم في العراق بكافة مراحله ربما يوجز أزمة المجتمع وحركة سيره إلى الغد. في عقود ما قبل السبعينات من القرن الماضي كانت الكليات التابعة لجامعة بغداد تمثل بعض مفاخر بلاد الرافدين، خرجت عديد الاختصاصات المتميزة على مستوى الوطن العربي، وبعضهم نال شهرة عالمية خاصة في مجال الطب والهندسة والعلوم.
رغم ذلك كنا نتعمق في نقد المؤسسات والصروح التعليمية لأننا كنا ضمن انفتاح شعاع الرؤية في السبعينات إثر مجموعة إنجازات توفرت لها قاعدة اقتصادية متينة بتأميم شركات النفط الأجنبية في قرار جريء دفع العراق مقابله فيما بعد ثمنا غاليا على مستوى أمنه وسيادته؛ كما لو أن الشركات بجنسياتها الدولية الفاعلة كانت تتربص بالمتغيرات وأخطاء السياسة لتعود على مراحل وباستحقاقات مختلفة.
الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية بما رصد لها من أموال طائلة حرّكت في ضمير المواطن العربي عموما الأمل في تغيير مفاهيم الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وهي قاعدة إستراتيجية ذهبية تمهد لتقبل الطفرات النوعية الحضارية المتوقعة، وفي العراق كانت متاحة وفي متناول اليد.
معظم البعثات الدراسية وحملة الشهادات العليا من الذين كانوا طلاباً في ذلك العقد الاستثنائي من حياة العراق، ومنهم اليوم أعضاء في أحزاب أو بمناصب حكومية وقيادية، تنكروا بالإجمال لوطنهم وتحولوا إلى أدوات لا تليق بتعليمهم وما بُذل لهم من رعاية مالية وحياتية وفرصة تلقي الخبرات في أرقى كليات وجامعات العالم وفي مراكز تدريب عملية كانت مغلقة على شعوب كثيرة لكنها فتحت للطلاب العراقيين المبتعثين بسبب ثقة المجتمع الدولي بصلابة الواقع الاقتصادي المتطور في العراق.
كنا ننتقد الأسوار الأكاديمية وبعض الممارسات التقليدية أو الإجراءات، لأن الطموحات كانت تتجه للمقارنة مع أرقى ما في أذهاننا من تحرر فكري وعلمي أمثلته راسخة في عناوين جامعات معينة في الدول المتقدمة. تصاعدت حينها الفكرة من جدوى التعليم والشهادات العليا ونوعية رسائل الدكتوراه والكم العددي وحسابات ملء الفراغات العلمية في لغة تربوية غايتها ليس فقط تدريس المعلومات وتلقينها، وإنما تخريج أجيال تدرك دورها في ترصين شخصية المواطن الإيجابي ومعارفه في تقبل دور التكنولوجيا بعلاقاته الإنسانية وبرغبة صادقة في مواكبة العالم المتمدن، تلاقياً مع نهضة بدأت ملامحها في ثلاثينات القرن الماضي عندما أرسل ملك العراق فيصل الأول أولى البعثات للدراسة في الخارج وباختصاصات من بينها دراسات في فن التشكيل وحتى الموسيقى في تقارب مع المشروع الحضاري التنموي العربي سماته الرغبة العلمية بين الدول حتى وإن كانت خارج التنسيق بين الحكومات.
كيف انتقلنا من نقد المؤسسات التعليمية لأنها تخرج لنا طلابا بالتبعية لمناهجها، بمعنى رفض ما لا قيمة إبداعية له، إلى نقد ساذج عن رفض لافتات دينية أو مناهج طائفية أو التوجيه بدراسة كتب مثيرة للفتن أياً كانت مصادرها أو نياتها؟ ماذا نريد من تعليم يتسرب فيه الطلبة بنسبة 90 بالمئة لغاية وصولهم إلى التعليم الجامعي؟ هل المطلوب صناعة فاشلين وحشد من الراسبين؟
النظريات الحديثة في التعليم تؤكد أن لا طالب أو تلميذ غير موهوب في اختصاص ما، والحداثة هنا متوجة لأكثر من خمسة عقود، وإن التخرج من الكليات لا يعني أن أصحاب المهارات المتفردة عرضة للضياع بل إن هؤلاء ربما يكونون في خدمة جزئيات التكنولوجيا والتنمية.
تعليم كما يبدو ولتردي الواقع المالي يتجه إلى حشر المعلومات بطرق بدائية وبأعداد طلاب لا تتناسب مع مستلزمات اهتمام أو متابعة دقيقة للطلبة، مع قلة المختبرات والأجهزة البسيطة المساعدة للتدريس، يضاف لها وضع اقتصادي مزر لعوائل الطلبة.
مقولة إن التلميذ هو تلميذ أبدي لمعلمه، مقولة خاطئة لأنها لا تنتج لنا تلاميذ يتباهى بهم معلموهم السابقون. غياب التقدم ومحاولة قطع الإمدادات عن المستقبل يبدآن في الصغار والشباب. ما يحصل لا يمكن تفسيره إلا بأهداف المشروع الإيراني في العراق، فالحرب ووقودها نلمسهما في قراءة واقعية لظاهرة تجنيد الأطفال والفتيان على امتداد ساحة الأهداف الإيرانية.
زيادة في الإنجاب مع معادلة الفقر وانتشار الطقوس الدينية كملاذات فكرية بممارسات على مدار العام وبتصعيد واضح الأهداف. أبناؤنا مشاريع قتلى وصرعى لحروب الولي الفقيه. مدارس إيرانية تنتشر في كل المدن العراقية بتسميات لا تتجاوز المسميات الطائفية التي أنتجت لنا واقعا لا فكاك منه. مـدرسة للخميني في محافظة نينوى ماذا نتوقع من أهـدافها في تلك الأماكن المهدمة بفعل الخارجين عن المدارس التربوية.
إيران ونظامها يتوسعان في صيد الفقر في أرجاء أمتنا ليتغلغلا بفكرهما المتخلف مروجاً لبضاعتهما الطائفية، وصولا إلى موريتانيا بلد الشعراء ولغة العرب حيث كان العراق سندا لهم في تجاربهم الإنمائية، وقد تعايشت شخصيا مع تجربة إنشاء أول مطبعة وأول مؤسسة صُحفية في نواكشوط مع تدريب العشرات أو المئات من شباب موريتانيا في العراق.
ماذا ستقدم إيران ونظامها في العراق غير آلاف المتطوعين الفقراء من الجائعة بطونهم وعقولهم في ميليشياتها وواجباتها المقدسة التي تبتغي منها جر العرب والمسلمين إلى حرب مذهبية، وجر العالم إلى حروب إرهاب تصب في خدمة مخلفات نبتعد جميعا عن الخوض فيها خشية أن نقع في المزيد من إشاعة التلوث بين أهلنا المتورطين أصلا بالسير خلف جمع من الملالي المثيرين لحنق العقلاء الذين يستشعرون مخاطر التغييب المقصود لبقايا عقل الجموع المنقادة لمنبر لا علاقة له أبدا بالأجلاء الذين مروا عليه، وكانوا نماذج للثورة ضد الظلم أو إهانة مستعمر.
ثورة تتقد في الجنوب العراقي بعثت برقيات رفض لسنوات طويلة من احتلال وطنهم سعت فيه الأحزاب الإيرانية إلى إعلاء التعصب المذهبي والطائفي على الانتماء للوطن. مَن لا يرى حكومة العراق إلا أنها من طائفته، عليه ألّا يطالب بإعمار أو سلم أهلي أو تعليم أو صحة أو بكاء على سيادة بلده.
إدارة دولة قضت على معظم إنجازات الدولة العراقية قبل الاحتلال، لأنها استطاعت في حرب الثماني سنوات الوقوف بوجه الإرهاب الإيراني وردته خائبا مكسورا ذليلا، لذلك لم يتبق لهم سوى استهداف قانون الحكم الذاتي للأكراد وهو الذي أعطى للشعب الكردي في العراق حقوقا أقرب إلى الأحلام لدى الأكراد في إيران وتركيا وسوريا.
النظام الإيراني لا يريد شيئا يُذكره بعراق قوي، رغم أن الزعامات الكردية كانت على بينة بالمشروع الإيراني وعملائه، ومازالت بعض القيادات الكردية تتعاون معه ضد أبناء جلدتها.
تعالت في الأيام الماضية أصوات تردد كالببغاء، ومن بينهم أعضاء في البرلمان والأحزاب الطائفية وحتى رئيس الوزراء حيدر العبادي “إن من حمل السلاح ضد الجيش والشعب العراقي لا يحق له أن يكون مواطنا عراقيا ويجب محاسبته على جريمته الكبرى” وهم يتوجهون بذلك إلى الأكراد الذين حملوا السلاح بوجه قطعات القوات النظامية أو الحشد الشعبي أثناء الهجوم على كركوك بقيادة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وبالاتفاق مع عائلة جلال الطالباني.
بهذا الطرح وبأثر رجعي فإن كل القادة والشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي ينبغي محاكمتهم وإنزال العقاب بهم لخيانتهم وفق نص ما صدر عنهم، لأنهم قاتلوا مع العدو الإيراني ضد جيش العراق وشعب العراق من خارج الحدود وداخلها أيضاً عندما استهدفوا المواطنين الآمنين والمؤسسات العراقية أثناء الحرب في الثمانينات من القرن الماضي.
كنا نتعمق جدا في نقد المؤسسات التعليمية ونصفها بالأسوار الأكاديمية، ماذا نقول وقد وصلنا إلى دولة محاطة بأسوار الميليشيات؟ أي نقد يحطم تلك الأسوار ويعيد الأوطان لشعوبها غير حملة وطنية وقومية عربية شاملة لمحو المشروع الإيراني في المنطقة؟