كردستان وآلام المخاض في الشرق الأوسط الحياة: مراد يتكن رصد عراقيون
عرف الشرق الأوسط مثل هذه الأوقات الأليمة قبل قرن. وحينها كان فجر عصر النفط يبزغ، وكانت ثلاث سلالات حاكمة (السلطنة العثمانية، وآل رومانوف وآل هابسبورغ) في ثلاث امبراطوريات برية (في تركيا وروسيا والإمبراطورية المجرية– النمسوية) تتداعى وتتهاوى. وحينها، كانت الولايات المتحدة قوة نامية ولم تكن الفيصل السياسي في المنطقة والعالم. وكانت بريطانيا وفرنسا أبرز القوى المهيمنة في وجه ألمانيا التي كانت تسعى كذلك إلى ضمان الوصول إلى المناطق الغنية بالنفط في الشرق الأوسط والقوقاز.
ومذ ذاك، أبصر النور أكبر مشروع اشتراكي في العالم المعاصر، الاتحاد السوفياتي، وأفل وتفكك. وجمهورية تركيا، وقلة من السياسيين الأوروبيين توقعوا أن تقيض لها حياة مديدة، نجت وصمدت. وصارت صاحبة واحد من أكبر الاقتصادات في المنطقة على رغم افتقارها إلى النفط والغاز وموارد الطاقة. وإيران هي بلد إرث دولته راسخ في التاريخ، وهي كذلك نجت وصمدت، على رغم فداحة رضة الثورة الإسلامية. ومصر دولة أخرى راسخة في الشرق الأوسط كتبت، كذلك، لها الحياة، على خلاف دول مصطنعة في أوروبا مثل يوغوسلافيا وشيكوسلوفاكيا، انهارت في التسعينات. وإسرائيل أنشئت في 1948، وهي لاعب جديد نسبياً في المنطقة، ولكن دورها بارز في الشرق الأوسط. ويعود الفضل في هذا إلى دعم أميركا اللامتناهي.
واليوم، نعيش في عالم مختلف. وعلى رغم أننا في فجر العصر الرقمي، لم نخرج بَعد من العصر النفطي- فالنفط والغاز لا يزالان وازنين في حسابات الدول. وتحتاج سورية والعراق، وهما دولتان أبصرتا النور في عهد الانتدابين الفرنسي والبريطاني في الشرق الأوسط إثر تفكك السلطنة العثمانية، إلى جهود دولية (من قوى مثل روسيا وأميركا) وإقليمية (دول مثل إيران وتركيا والمملكة السعودية) لتتماسكا وتحفظا وحدتهما، على رغم أن البلدين هذين يملكان الغاز والنفط. واليوم فراغ القوة يعصى العقل في العراق وسورية. وفي العراق، تدعم أميركا (وإيران لسخرية المآلات) حكومة حيدر العبادي للحؤول دون انهيار البلاد وتشظيها. وفي سورية، يدعم الروس (والإيرانيون) نظام بشار الأسد. فالسياسة تلفظ الفراغ وتمقته. وتملك أربعة بلدان في جوار سورية والعراق القدرات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهي تركيا والمملكة السعودية وإيران وإسرائيل. ولكن منظمات ليست بدول سبقت هذه الدول إلى التمدد. فتنظيم «داعش»، سار على خطى «القاعدة» وسارع إلى ملء الفراغ وإعلان «دولة»، على رغم أن الدولة هذه على شفير الانهيار. واليوم، تقاتل فصائل كردية في سبيل حيازة دولة. ويريد الأكراد العراقيون، على رأسهم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، والأكراد السوريون، وتوجه دفتهم مجموعات تتحدر من «حزب العمال الكردستاني» الإرهابي، ملء الفراغ اليوم واقتطاع دولة.
وعلى خلاف القوى التي يعتد بها في المنطقة، تدعم إسرائيل فكرة استقلال أكراد العراق بدولة، في مرحلة بالغة الدقة. فـقبضة «حماس» في قطاع غزة ترتخي جراء تخبط قطر بسبب ضغوط السعودية ومصر عليها جزاء صلاتها بـ «الإخوان المسلمين». ويبدو أن إسرائيل يروقها تراجع تركيا عن سياستها في سورية وفلسطين. وفي مقدور تل أبيب اليوم استعراض قوتها أمام إيران من طريق دعم دولة مسلمة غير عربية، كردستان، كياناً عازلاً على الحدود مع إيران وتركيا. ومثل هذه الدولة يجعل العلاقة بإسرائيل شائكة، من جهة، ويضعف العراق، من جهة أخرى. ويتفاقم تعقيد المشهد الشرق الأوسطي، مع زيادة عدد اللاعبين السياسيين. وحين يكثر عدد اللاعبين، ولا يتغير الوضع الإقليمي الرسمي، يتعذر حل المشكلات. ومع الأسف، الآلام ستتفاقم مع تغير الحدود في المنطقة. فما إن تتغير حدود في الشرق الأوسط، يخشى أن تكر السبحة. ولا أحد يعرف أين ستتوقف موجة تغير الحدود. فنحن أمام المجهول، على نحو ما كان عليه أمرنا قبل قرن من الزمن.
#وكالة_انباء_عراقيون