قُضي الأمر .. الاستفتاء قائم وبغداد تنشر قواتها للسيطرة على نفط كركوك والبشمركة تؤمن حدود دولته خاص – كتابات : رصد عراقيون
استبقت بغداد الاستفتاء واتخذت خطوات تبدو في ظاهرها لمحاربة الإرهاب، لكن باطنها يؤكد أنها لقطع الطريق على أربيل وكسب مزيد من المساحات الشاسعة على الأرض في المناطق المتنازع عليها؛ خاصة تلك الغنية بالنفط فضلاً عن تهديد كل من يفكر في الخروج للاستفتاء.. وكأنها تبعث برسالة إلى “مسعود بارزاني”، رئيس إقليم كردستان، بأن الاستفتاء لن يمر بسهولة كما يظن ولن يسمح له بوضع يده على كركوك، بل ربما في اتجاه التصعيد تسير الأمور
قطعت بغداد إذاً الطريق على أي محاولات أربيل للتمدد إلى نطاق محل خلاف، بالحملة العسكرية الأمنية، التي أعلن رئيس الوزراء “حيدر العبادي”، انطلاقها فجر الخميس الموافق 21 من أيلول/سبتمبر 2017، بحجة القضاء على ما تبقى من فلول “داعش” في غرب كركوك، وهي المناطق العائمة على كميات واحتياطات ضخمة من النفط
لا تراجع.. 48 ساعة حاسمة في مصير العراق..
ثمة رهانات وأراء متباينة لا تتوقف مع أقل من 48 ساعة على موعد الاستفتاء المقرر في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2017.. وأقصاها يتحدث عن الموقف إذا لم يتراجع “بارزاني” عن تنظيم الاستفتاء، فكيف ستكون التبعات ؟.. وهل في مقدوره حقاً مواجهة كل هذه الضغوطات من القريب والبعيد؛ وآخرها ما أعلنته واشنطن من قطع أي مساعدات أو دعم لكردستان !
وإذا صارت المواجهة حتمية فهل القوات الكردية جاهزة للرد على محاولات إعادتها للحاضنة العراقية من بغداد وداعميها في طهران ؟
“البشمركة”.. قوات مواجهة الموت مهمتها الدفاع عن الهوية الكردية..
إن كردستان تمتلك جيشاً كردياً قوياً يُعرف بالـ”بشمركة” – وهي تعني باللغة الكردية رجال يواجهون الموت – قوامه بأفرعه المتعددة نحو 400 ألف مقاتل في حال التعبئة العامة، ما بين مدفعية ثقيلة وخفيفة وقناصة وأقصى ما يمتلكه طائرات مروحية.
نجح بهذا العتاد في القضاء على “داعش”.. لكن هل هذا يكفي لمواجهة عسكرية مع الجيش العراقي وقوات “الحشد الشعبي” والدعم العسكري الإيراني بعناصر “الحرس الثوري” وأسلحته ومعهم دعم تركي عسكري على خط النار، إذاً ما قُدر تطور الأمور إلى معركة عسكرية على الأرض ؟!
رسائل الرفض الدولية صعدت من نبرة بغداد وطهران وأنقرة.. وأربيل لا تلتفت..
إن العالم أطلق تصريحاته الرافضة للاستفتاء والانفصال، وهي رسائل صعدت من موقف بغداد وإيران، بل شجعت معهم تركيا على اتخاذ ربما خطوات عسكرية خطيرة بحق الإقليم الطامح للانفصال، الذي لم يلتفت بل صعد بنشر حقوق المكونات والمباديء للدولة الكردية المستقلة، وهو شيء مشابه للدستور قبل موعد إجراء الاستفتاء في رسالة تحدي واضحة، قابلها في الاتجاه الآخر اجتماع لوزير الخارجية العراقي “إبراهيم الجعفري” مع وزيري خارجية إيران وتركيا.. مؤكدين على أنه ما لم يتوصل العرب والأكراد إلى وحدة مطمئنة بين الجانبين، سيكون هنالك إجراءات مضادة لمواجهة الاستفتاء.
وهي إجراءات تبدأ بسحب الدول الكبرى كل مستشاريها من قنصلياتها المتواجدة في إقليم كردستان، ووقف المساعدات العسكرية وقطع العلاقات الاقتصادية.
ترك كردستان تواجه مصيرها إلا إذا جرى تقسيم “الكعكة” على الكبار !
ثمة قول بأن الدول الكبرى ستترك كردستان تواجه مصيرها وحدها، ثم تتدخل إسرائيل – أبرز صديق للكرد على الساحة – أو حليفتها أميركا بكل نفوذها وقوتها لإعادة التوازن، بل وربما ترجيح كفة الأكراد لكن في مقابل تنازلات بعينها لصالح تل أبيب وواشنطن؛ في أغلبها اقتصادية مع ضمانة للتحكم في الأمور هناك، وهو طرح مرفوض من دول غربية كـ”بريطانيا وفرنسا”، إلا إذا ضمنت كل منهما حصة من موارد الإقليم النفطية !
الأغلبية الشيعية أزاحت الأمل للأكراد في التعايش والحصول على حقوقهم..
إن الأمور كلها في الشارع الكردي، وفق المشاهد الواردة من هناك، تسير باتجاه رغبة قوية ليس فقط بالاستفتاء بل في الانفصال.. إذاً إن الأغلبية الشيعية في العراق – وفق بعضهم – أزاحت أي أمل للأكراد في التعايش والحصول على كامل حقوقهم.
بل يتهم الأكراد بغداد بأنها اتجهت نحو الديكتاتورية، وكان أملهم أن تضع الحكومة المركزية هناك أسساً لحسن الجوار مع الإقليم.
لا تراجع عن الاستقلال.. حان وقت البحث عن النفط..
المؤكد أنها المرة الأولى التي تعلنها أربيل بهذه القوة والزخامة، بأن لا تراجع عن الاستفتاء، بل لا تراجع عن الاستقلال، موجهة رسائل قوية إلى بغداد وعواصم العالم.. حان وقت البحث عن النفط.. حان وقت الحصول على ثروات الإقليم من أجل أبنائه، حتى السلاح حان وقت أن يتحصل “البشمركة” على حصتهم التي يستحقونها دون انتظار ما تسمح بغداد بمنحه !
انفصال.. استقلال.. طلاق سياسي.. الثقة انعدمت بين أربيل وبغداد..
المراقبون للعلاقة بين كردستان وبغداد أجمعوا على أن هناك مشكلات مزمنة طالما تأجلت حلولها، وأن المعالجة كانت لبعض الأزمات المؤقتة وليس المشكلات الرئيسة، حتى تدهورت العلاقات بين أربيل وبغداد ولم تعالج المشكلات ولم يعد هناك ثقة بين الطرفين.. ووصل الجميع إلى نقطة اللاعودة تحت مسميات عدة “انفصال، استقلال، طلاق”، كلها أمور موروثة تركت للطبيعة والزمن ويبدو أنها ستنفجر بوجه الجميع.. !
كردستان لا يعنيها دستور بغداد.. لا يسمح بالانفصال ولا يمنعه !
إن أربيل لا يعنيها الدستور ومخالفته بإجراء الاستفتاء، إذ يرون أن الدستور لا يسمح ولا يمنع في الوقت نفسه الاستفتاء.. كما أن من في بغداد غير ملتزم أصلاً بالدستور.. وهناك مئات القوانين التي تنقل الدستور إلى الواقع لم يتم تفعيلها أو الاتجاه إليها !
أغلب الآراء المؤيدة للاستفتاء تقول إنه لا يلام الكرد ولا السنة، وأن المسؤولية مسؤولية بغداد، وبغداد فشلت.. فلم تلجأ للدستور في حل المشكلات المتنازع عليها، والآن تلجأ إليه لمنع الاستفتاء.. هكذا يصبح الدستور حبراً على ورق ومجرد شماعة !
أما الشاهد، فإن هناك تأييد شعبي كاسح لهذا الاستفتاء، مع تصريحات هي الأعنف لرئيس السلطة في الإقليم.
الحدود الكردية تُرسم بالدم والدولة قائمة بالفعل في الإقليم بمؤسساتها وأعلامها !
نعم فالرجل يقول دائماً إن الحدود تُرسم بالدم.. هكذا يقول “بارزاني” وهذا ما يؤمن به ويكرره كثيراً.. ما يعني أن هناك ربما أنهار من الدماء ستجري في سبيل الانفصال.. ولديه جيش “البيشمركة” الذي يعد من أقوى القوات الموجودة في المنطقة، وعملياً هناك دولة قائمة على الأرض بالفعل بمؤسساتها وأعلامها مرفوعة في جميع أنحائها.. فإذا لم تنتزع هذه الحقوق في هذه الفترة التي وقفت فيها كردستان بوجه تنظيم “داعش” الإرهابي.. فإذاً متى يحدث ؟.. إن لم يحدث الآن فلن يحدث لاحقاً، هذا ما استقر في يقين أربيل !
الهوية الكردية في أفضل حالاتها والوضع الاقتصادي يدفع إلى التصعيد..
فالهوية الكردية في أعلى مستوياتها، وقوة الانتماء في أوجها؛ وهي من تدفع في اتجاه الانفصال، فضلاً عن الوضع الاقتصادي السيء في كردستان، من تراجع في الرواتب وموارد النفط التي لا تستفيد منها أربيل بالكامل، كلها أمور أججت مطلب الانفصال وعززت من قوة حضور الاستفتاء.
المؤيدون للاستفتاء يرون الدولة العراقية ضعيفة.. من البصرة.. من الموصل.. من كركوك.. وأن عدم وجود الحكم الرشيد العادل في توزيع الثروات والسلطات؛ يؤدي إلى انحلال الدولة !
العراق فاقد للسيادة.. وقريباً مطالبات بدولة سنية !
كما يرون العراق فاقد السيادة، بعد كثير من تدخل دول الجوار في أموره بل في شؤونه أغلبها على أرض الواقع، ويتوقعون نفس الشيء حول استفتاء بالانفصال ربما يتحقق قريباً في الموصل.
إذ ربما يطالبون بتغيير العلاقة بين الموصل وبغداد، فالمواطن العراقي الآن برأيهم يريد الابتعاد عن قرار بغداد وسلطاتها !
أكراد تركيا وإيران في انتظار دولتهم المستقلة..
ما يحرك هذه النزاعات الانفصالية، وبخاصة في كردستان هي “الهوية”، فما مر به الأكراد إبان حكم “صدام” من تهجير وقصف لهم بغاز الأعصاب وقتل آلاف من النساء والأطفال فيما اصطلح عليه وقتها بمعركة “الأنفال”، جعل لديهم هوية قوية ترفض أي خضوع لبغداد، كما أن هناك نحو 20 مليون كردي في تركيا و8 ملايين آخرين في إيران كلهم ينتظرون دولتهم المستقلة ذات السيادة، وهو ما جعل إيران وتركيا يعدان النفصال بمثابة إعلان حرب معهما !
التعايش مع بغداد لم يعد أمراً وارداً والانفصال ما هو إلا مرحلة في اتجاه الاستقلال..
في جميع الأحوال، فإن التعايش مع بغداد أو المستقبل مع الحكومة الاتحادية لم يعد شيئاً وارداً من جانب الأكراد.. والعلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق، فإما المضي قدماً نحو الاستفتاء، أو البديل الذي هو تحديد موعد الاستقلال وليس الاستفتاء، فالاستفتاء محطة لإعلان هذه الإرادة ليس إلا، أما الاستقلال فهو محطة قادمة، لكن يبقى السؤال.. هل تتعامل دول الجوار مع هذه الحقيقة ؟.. هل يرضى العالم بهذا الواقع ؟
وإن كانت الإجابة بلا، ومنعاً للصراعات والاقتتال بعدما انعدمت الثقة، هل بغداد على استعداد لإرضاء أربيل ؟.. هل من وعود تتحقق على الأرض ؟.. الإجابة هنا أيضاً بالنفي، فالرسائل القادمة من بغداد تحمل تهديداً بحل عسكري وآخر بحرب أهلية.
استفتاء يجري في بيئة تحمل تهديدات أمنية كبيرة..
إذاً هو استفتاء يجري في بيئة تحمل تهديدات أمنية كبيرة، مع وجود غالبية واضحة تؤيده، فكيف سيتحول إلى شيء ملزم ويبدأ التفاوض إلى الانتقال إلى الاستقلال ؟
المؤشرات تقول إن الاستفتاء سيتحول إلى حراك شعبي لا تتوقف تبعاته، خاصة بعدما قرر المجلس الأعلى للاستفتاء، الخميس، 21 أيلول/سبتمبر 2017، عدم تأجيل استفتاء الاستقلال وإجراءه يوم الإثنين الموافق الخامس والعشرين من أيلول.
بل واتفق المكتبان السياسيان للحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في كردستان على إقامة الاستفتاء في موعده، رغم كل الرفض الدولي وآخره إعلان مجلس الأمن رفض الاستفتاء، فهل نجد طرحاً يتحدث عن تواجد قوة دولية في كردستان أو المناطق المتنازع عليها مع بغداد يقطع الطريق على بغداد أو أربيل في اتخاذ قرارات فردية وتوسيع نفوذ أميركا في المنطقة لتكون في أقرب نقطة مزعجة لإيران وتركيا، أم يسمح لإيران بالتمدد ولو مؤقتاً واستخدام أربيل كطُعم لإخضاع طهران وأنقرة ؟!
#وكالة_انباء_عراقيون