استفتاء كردستان.. المراجعة شجاعة وليس ضعفاً / عادل عبد المهدي رصد عراقيون
نقلت الاخبار ان البرلمان الكردستاني سيعقد اجتماعاً في 16 الجاري.. وسواء اقر البرلمان الاستفتاء ام لا، فان عدم التصدي للموضوع جدياً، عقّده كثيراً، وتحول لتصعيد متبادل واتهامات وتخوين وتخندق وحرق الاوراق والأعلام، الخ. ما زلنا نؤمن –رغم ازدياد التعقيدات- ان لا بديل عن الحوار المسؤول الواقعي والمبدأي، وننشر افتتاحية تعكس تحذيرنا المبكر، بالعنوان اعلاه في 21/2/2016، اي قبل عام ونصف:
“تبنينا دائماً وجهة نظر تؤمن باننا مجبرون، وغير مخيرين ببناء علاقات عضوية ومصالح متبادلة من جهة، واعتراف بالخصوصيات والهويات في اطار مؤسساتي من جهة اخرى.
سنفترض حصول الاستفتاء.. الذي سيحظى، يقيناً، بتأييد كبير.. فالكرد جميعهم يشعرون بمظلومية تاريخية، وان الحلفاء المنتصرين بالحرب قد نكثوا بوعودهم.. وانهم تعرضوا لمآسي الانفال والحملات العسكرية واستباحة مدنهم وقراهم وتهجيرهم وتغيير هويتهم وصولاً لضربهم بالكيمياوي. وان الاحاسيس والعواطف مهيئة باتجاه الكيان الخاص. فحلم الدولة الكردية، كحلم الدولة العربية الواحدة. صحيح ان للعرب دولهم، والكرد لا تمثلهم دولة.. لكن الصحيح ايضاً ان الاحلام والنوايا، إن عبرت عن شيء حقيقي، لكنها لا تتحقق خارج شروط وظروف محددة. فلو كان اي من الحلمين يحملان متطلباتهما وزخميهما الداخليين الحقيقيين والتاريخيين، لما منعت قوة عسكرية او ارادة دولية او محلية تنفيذهما، ولاستقرت محاولات جرت هنا وهناك، ولما اجهضت بقوى من داخلها قبل ان تجهض من خارجها.
لن تكون المشكلة في التصويت، بل بعده.. فسنصبح جميعاً امام خيارين.. التنفيذ، او التأجيل. فالحد الادنى لانعكاسات التنفيذ، هو تصاعد الحالات السلبية. فجماهير واسعة من الكرد وغيرهم سيضطرون لاختيار كيانهم، مع كل النتائج المترتبة.. وان حركة البضائع، وسلسلة هائلة من الاعمال والمصالح ستتوقف بالضرورة بكل اضرارها، وسيصعب منع الصدامات بين السكان انفسهم، قبل الجهات الرسمية. فعندما طرح الاستفتاء لاستقلال اسكتلندا، فان الجانبين وضعا الترتيبات لكل التفاصيل.. صحيح ان المفاهيم والسلوكيات تختلف هنا عما هو هناك، لكن الصحيح ايضاً ان فرض الاستفتاء ونتائجه، سيفرض اجراءات مضادة. وباضافة موقف دول الاقليم والعالم، والمعركة ضد “داعش”، فان التداعيات لا تبدو لمصلحة احد.
وبخصوص التأجيل، يقول الاخوة ان الاستفتاء لا يعني بالضرورة ترتيبات تنفيذية وميدانية لاحقة.. وهنا سنكون كمن وضع قنابل موقوتة لا يُعرف مواعيد انفجارها. وهنا سيعيد الجميع حساباتهم.. وسنذهب كلنا لاجراءات استباقية تنفيذية وميدانية، رسمية وشعبية. وسنقف امام اسئلة كثيرة، حساسة ومحرجة.. وستهتز المتبنيات المعمول بها، ولو المرتبكة، كالهوية الوطنية والسيادة.. والحقوق والمسؤوليات.. والمناصب الحساسة.. والنفط.. والموازنات.. وهوية المواطنين خارج كياناتهم.. والمناطق المتنازع عليها. وهكذا يترسخ منطق جديد سيستحيل احتوائه، او التراجع عنه. نعم، لعل طرح فكرة الاستفتاء سيحرك بحثاً اكثر صدقاً وعمقاً بين اطراف المعادلة، لكن عدم التوقف عن طرح الفكرة سيرتب اضراراً اكبر. واذكّر الاخوة بعشرات المواقف التي تم التراجع فيها، من قبلنا او قبلهم عن مشاريع اكتشفنا قبل التنفيذ اضرارها.. فمشاكل مع اتفاق خير من مشاكل بدون اتفاق.
يعتمد حل قضايا الهويات وخصوصيات الدول والشعوب على مرتكزين.. احترام الخاص، ووحدة شعوب ودول المنطقة. واعتقد ان ما توصلنا اليه في الدستور من حل فيدرالي هو الانسب في ظرفنا الراهن.. وارى ان مصلحة الاخوة الكرد والعراقيين عموماً تكمن في تسكين ما استُفتينا عليه –لعقد او عقدين- وفي استثمار مصادر قوتهم في وحدة العراق لا في تفككها.. وان المكاسب والمنافع المعنوية والمادية ما زالت اكثر مردوداً في اطار الوحدة غير القسرية والدستورية، من اية مشاريع اخرى. وان بغداد (بشرطها وشروطها) كانت وستبقى المحور الاهم للكرد ولغيرهم لتحقيق الحقوق والمطالب. وعندما اقول لعقد او عقدين، فللامر دلالاته.. فكثير من الدول الاوروبية اعيد توزيع خصوصياتها في اطار الوحدة الاوروبية.. وشيئا من ذلك قد تشهده منطقتنا الحبلى بالمفاجئات واعادة بناء توازناتها الجديدة. فلقد علمتنا دروس التاريخ انه كلما واجهنا، كبلد ومنطقة وشعوب، مصيرنا بشكل مشترك –مع كل الصعوبات والخلافات- كلما خرجنا بنتائج افضل”.