40 ترليون دينار… نفايات ! عدنان حسين رصد عراقيون
تنكبُّ لجنة حكومية الآن على إعداد موازنة العام المقبل، تمهيداً لعرضها على مجلس النواب قبل نهاية العام الحالي. رئيس الحكومة، بحسب ما أعلن مكتبه الإعلامي، مهتمّ على نحو خاص بخفض التكاليف البيروقراطية وبدعم النشاطات الإنتاجية للدولة في المقابل.
بالتأكيد ستتضمن الموازنة الجديدة موارد خارجية ( قروض) بسبب عدم قدرة الموارد الداخلية على الوفاء بالمتطلبات الكبيرة للموازنة. موازنة العام الحالي كانت بعجز مقداره 21 ترليون دينار (18 مليار دولار أميركي)، وكانت القروض أحد الأبواب الرئيسة المُقترحة لسدّ هذا العجز. القروض من الهيئات المالية الدولية ومن الحكومات الأخرى تشكّل النسبة الأكبر من كمية الأموال المقترضة، وهذه بالطبع لا تخلو من شروط سياسية.
حتى الآن فشلت الحكومات المتعاقبة في استثمار مصدر محلّي كبير للتمويل، هو الأموال المُكتنزة لدى الناس. المُقدّر حالياً أن نحو 40 ترليون دينار (حوالي 35 مليار دولار) مُخبّأة في البيوت ومحالّ العمل، أي مُعطّلة عن الاستثمار، كما لو أنها جزء من النفايات التي تضجّ بها شوارع مدننا ودرابينها وساحاتها.
عدا عن الوضع الأمني غير المستقرّ وعدم الثقة بالنظام السياسي، فإن من العوامل الرئيسة في بقاء هذه الكتلة المالية الكبيرة خارج نطاق الاستثمار، تخلّف النظام المصرفي لدينا وعدم الثقة به. من المُفترض أن يكون كامل هذه الكتلة مُدّخراً في البنوك، الحكومية والخاصة، كيما يساهم مساهمة نشطة في الدورة الاقتصادية.
برغم ما يُطلق على نحو متكرّر سنوياً من وعود خلّابة وكلام جميل من مسؤولي الحكومة ووزارة المالية والبنك المركزي والمصارف الحكومية، عن العزم على تحديث النظام المصرفي وتطويره، فإننا دائماً نسمع جعجعة ولا نرى طحناً.
البنك المركزي وزّع منذ يومين تصريحاً لمحافظه بشأن الأموال المُكتنزة لدى الناس، أكد فيه أنّ البنك “لديه مخطّط لحلّ هذا الموضوع عن طريق وضع الخطط والدراسات لجذب الأموال وإرفادها داخل الجهاز المصرفي”.
تخلّف النظام المصرفي هو الذي يعيق وضع الاموال المُكتنزة في المصارف.. لا يوجد نظام إلكتروني يسرّع عمليات الإيداع والسحب .. كلّ دول العالم، بما فيها جيران العراق قاطبة، تتبع الآن النظام الإلكتروني في التعاملات المصرفية وغير المصرفية. في مصارفنا هناك بيروقراطية قاتلة طاردة وليست مُستقبِلة لادّخار الاموال المُكتنزة أو التعامل بها عبر المصارف. لكي تضع في حسابك المصرفي أو تسحب منه 100 ألف دينار (80 دولاراً أميركياً) تحتاج الى إضاعة ما يقارب الساعتين من وقتك (للذهاب والإياب وداخل المصرف نفسه من أجل تواقيع ربع دزينة في الأقل من الموظفين)، فيما حتى الصومال يمكنك فيه أن تدّخر أو تسحب بالبطاقة الذكية وأن تجري معاملاتك عبر التلفون المتّصل بالإنترنت.
قبل سنة (في آب من العام الماضي) أعلن محافظ البنك المركزي في ندوة أنّ البنك قد أمهل المصارف الحكومية حتى أيلول (من العام الماضي) لتكييف أوضاعها ضمن نظام التعامل الإلكتروني، وها قد مرت سنة كاملة ولم تظهر أي علامة على أنّ مصرفاً حكومياً قد التزم بمهلة البنك المركزي!
الحكومة مدعوّة للاهتمام جدياً بهذا الأمر في إطار اهتمامها المُعلن بخفض التكاليف البيروقراطية وبدعم النشاطات الإنتاجية للدولة.